هو من أفلام السيرة الذاتية «Biographical films» التي تبدع السينما بين الحين والحين في تقديم شخصيات لم تمر على الحياة هكذا، بل حفرت بأظافرها سيرتها الذاتية، لتكون في ذاكرة التاريخ والحضارة الإنسانية، هذا الفيلم يتبع مسيرة مغنية الأوبرا اليونانية - الأميركية «السوبرانو» الأيقونة «ماريا كالاس»، ذات الشهرة العالمية في الغناء الأوبرالي، والتركيز على الأسبوع الأخير من حياتها عام 1977 في شقتها في باريس، واستعراض كامل حياتها «فلاش باك» منذ طفولتها في أثينا مروراً باستغلالها وهي صغيرة مع أختها من الضباط الألمان، وعلاقتها بأمها وأختها وزوجها، في حين تغيب شخصية الأب من الفيلم، وهو في حياتها الحقيقية كان يستغل شهرتها واستغلالها مادياً إلى علاقتها بالملياردير اليوناني الأسطورة «أرسطو أوناسيس» ومنعها من الغناء، وفقدان صوتها واعتزالها، ودخولها في مرحلة من نقص الوزن والاكتئاب والاعتماد على الأدوية والمهدئات، بغية العودة من جديد لحياة المسرح الأوبرالي الذي تعده حياتها الحقيقية، حتى تلفت الكبد، وتعطلت وظائف القلب.

الممثلة «إنجيلينا جولي» حينما كبرت تعلمت ألّا تمثل، هذه الحقيقة التي يجب أن تسجل لصالحها، فقد كنت أعدها ممثلة سيئة في بداياتها، مثل أبيها وأمها، لكنها في فيلم «ماريّا» تبدو بذلك الأداء والإحساس العالي، وتقمص للشخصية بشكل مذهل، أنها ودعت التمثيل، ودخلت عالم الفن، ولعله من أجمل أدوارها، خاصة وأنها تدربت بشكل مكثف على الأداء الأوبرالي خلال سبعة أشهر، وأتقنته، وهذا وحده تحدٍّ كبير يواجه أي ممثل، وقد نجحت فيه بامتياز، ولم تكتف بذلك التحدي فقط، بل قدمت اثنين من أبنائها، «مادوكس وباكس» ضمن فريق الإنتاج، وعملا مساعدين ليريا عن قرب الألم الذي يتطلبه أداء أي دور تمثيلي، وكم هي تتعب من أجلهم ومن أجل مهنتها التي ارتضتها، وقالت فرحة بهذه المشاركة العاطفية: «لقد كانا هناك ليريا الجوانب التي أخفيها عليهما عادة من تعب وإرهاق وجهد في العمل الفني الذي أحترفه».

البطل الحقيقي لفيلم «ماريّا» هو المؤلف «ستيفن نايت» الذي أبدع في صياغة فيلم عالي الجودة من كل الجوانب، وخاصة الحوار، وهو أمر غير مستغرب على هذا الكاتب والمنتج والمخرج البريطاني، فقد وظف حواس مهنه الثلاث ليخدم هذا العمل السينمائي الممتع.


والمايسترو الذي وراء هذه التحفة السينمائية المخرج التشيلي «بابلو لارين» الذي يعشق تقديم الشخصيات النسائية المثيرة للجدل، فقد قدم قبل هذا الفيلم، فيلمين، أحدهما عن «جاكلين كنيدي»، فيلم «Jackie» عام 2016، والآخر عن «ديانا» فيلم «Spencer» عام 2021، وفيلماً عن سيرة ذاتية لشاعر تشيلي العظيم «بابلو نيرودا». وقد اجتمعت جنسيات عدة في صنع هذه التحفة السينمائية، كاتب بريطاني، ومخرج تشيلي، ومصور أميركي، وممثلون من أميركا وبريطانيا وإيطاليا وتركيا وأستراليا، بصراحة كانت مشاهدة ممتعة رغم آراء بعض النقاد المسبقة، والتي وضعتها خارج الحسابات، وغامرت باتجاه الدهشة.