ألا زلت يا دمشق تعشقين؟ وترسمين صورة للحزن على وجه اللجين، وتكتبين رسائلك للذي غاب في العتمة، فوق الأرض، تحت الأرض، وفي الخافقين؟ ألا زلت يا دمشق تحلمين، وتغرقين الليل بالنوايا وأسرار العاشقين؟ إني اهتويت السؤال، والسؤال مسافة ما بين أصبعين، وأنت أنت يا دمشق تكتبين الرسائل مرتلة من بوح ضاد، والأبجدية يا دمشق بحر عين، كل القوافل مرت، ومن هنا شربت من دمك السخين، ولا زلت تحلمين، بسيف عنترة، ورمح خالد، ولا زلت
تحلمين، بالأمس مرت غيمة، وأخرى طفرت تحجب الشمس عن العين، ولا زلت أنت يا دمشق تعشقين، وترسمين صورة الناس الحيارى، والمفقودين، والمهمشين، وتكتبين عن عمى المعري وبصيرته، وعن نزار، وكل الشعراء ومرايا الحالمين، ولا زلت يا دمشق، تحكين لدجلة عن طفلة ستأتي وتسأل عن سر غضون الجبين، وعن قوافل مرت من هنا وداست خفاف النوق على خاصرة وجيد، ورمش عين، ولا زلت تحلمين، عن عاشقات ملحن دجلة بالدموع الساخنات، وهيضن الفرات الرهين، وماذا بعد يا دمشق، ماذا تنتظرين؟ فاليوم كالأمس، والأمس مضى وتتبعه خطوات القادمين، وماذا تنتظرين؟ أما آن لدجلة أن يغسل ماءه بالدمع الحزين ويمضي ألقاً يقتفي أثر الذين أحبوا الأجاج واليقطين، فماذا تنتظرين يا دمشق؟ ماذا يعن على بال امرأة تسمرت دهشة واستمرأت البوح بالتضمين؟ فها هي القوافل تمتطي ركاب البهجة
الأولى والناس أجمعين، يطرقون تراب الأرض، بحثاً عن ملاذ وعن معين، فالليل دجى والشمس مكظومة من سر لعين، فماذا تنتظرين؟ هذي القوافل مزملة بالأماني، وهذي أنامل العشاق تنحت ابتسامات حيرى كفراشات تتوق عراء ثخين.
ألا يا دمشق، يا حلما بات مكتنزاً بالجثامين، وأشياء في التفاصيل يندى لها الجبين، وأشياء من أمنيات جاشت بها حرائر سوريا ولم تزل رفة رمش وغمضة عين.
ألا يا دمشق، يا مضغة تراءت للمعنى في لحظة التبيين، صوني هوى، وارتكبي ألذ المعصيات، وأكرمها، حين تكونين وتكون الحرائر فراشات وصغاراً بزغب القطا، همت الحزم الحصين.
نظرت إلى المدى، فرأيتك تحدبين، وترفعين النشيد عالياً، وترفعين صوت النهار، وبوح الرجاء بأن تكوني آخر العشاق وآخر الثملين، وبكأس الحياة، وكأس الظافرين، وتكوني يا دمشق من ترائب أنثى خرجت، ومن صلب مقدام أمين، ولعلي أكتب غداً عن دمشق وعن صولة أصبحت في الدنى أمر الزاحفين، وإلى دجلة، إلى الفرات، وزيتونة في انتظار المتوجين بذاكرة لا فيها عبث، ولا غبش، ولا مقت للآخرين، ولعلي أرى في هذا الصباح أغنية مثل ترنيمة البحر مثل تغريدة الطير، مثل نغمة على لسان الشجر، لعلي أسمعك يا دمشق تكفرين عن كل نوايا الماضي، والحاضر، وأن تقومي بطي عباءة الأوهام، وترديد اسم إنسان، هويته الشفافية، ورسالته الحب، وسلاحه العدالة للجميع.
لعلي أغفو ثم أصحو، وأجد النهار يغسل ضفاف دجلة ويكحل رموش الحرائر بابتسامة كأنها الغيمة في السماء.
لعلي أرى واقعاً من نزع أحلام، ويزهو بك، يا دمشق، وتزهو الفيافي، والصحاري، والنجود بما جادت به القلوب الرحيمة، والوعي المتدفق جداول عدل ومساواة، وحرية بلا مخالب تكسو عيون الحرائر، والأفذاذ، من نسل سومر، وكل ما مر على خاطر الأولين.