من يشاهد مانشستر سيتي في مباراة دوري الأبطال يتقدم بثلاثية نظيفة، حتى آخر ربع ساعة، وبعدها تتبخر نقاط الفوز في الهواء، وفينورد الهولندي يحقق «ريمونتادا» مثيرة، وينجح في انتزاع تعادل مدهش، سيقول حتماً إن هذا «السماوي» لا يتطابق مع نفسه، ولا يعبّر عن فكر مدربه، أخطاؤه الدفاعية غير مقبولة، وهشاشته التكتيكية غير مفهومة، وهو بهذا المعنى فريق «خارج النص».
انتظر الكل من «المان سيتي»، صحوة تنهي حالة الاختناق التي كلفته خمس هزائم متتالية، لم يكن لها قبيل ولا نظير في عهد مدربه بيب جوارديولا، وما حصل شيء من ذلك، فقد أظهرت مباراة فينورد كم هو غائر الجرح النفسي الذي يورث حالة فظيعة من فقدان التوازن، فلا تجد الفريق قادراً على وقف الهبوط الحاد، ولا على صد الانتكاسات.
عند الخسارة الموجعة لـ«المان سيتي» من توتنهام برباعية نظيفة في الدوري الإنجليزي الممتاز، خرج بيب جوارديولا بتصريح قد يقسمنا بين قابل ورافض لأعذاره، فقد قال: «أعيدوا لي لاعبيّ، وبعدها ترون مانشستر سيتي».
بالطبع يدلنا «بيب» على التأثير السلبي الكبير لغياب عدد من الثوابت البشرية بسبب الإصابات، بخاصة أن من يغيبون لاعبون وازنون في الدفاع والوسط، والدليل على ذلك، أن مباراتي توتنهام وفينورد كانا معاً عرضاً حزيناً لعدد غريب من الأخطاء الدفاعية، أخطاء فردية وأخطاء منظومة أيضاً، وهو في ذلك لا يعفي نفسه من مسؤولية هذا الاحتباس التكتيكي الذي يعيشه فريقه، فلا يستطيع في متواليات مفجعة أن يصد عنه إعصار الهزائم، وقد قادته الشجاعة والاحترام، وحتى التقدير لإدارة مانشستر سيتي، إلى إعلان تجديد عقده مع «السماوي» لسنتين أخريين.
«بيب» الذي أهدى «السيتي» في واحدة من أروع وأجمل أزمنتها، 18 لقباً في تسعة مواسم، بينها لقب لدوري أبطال أوروبا، وستة ألقاب لـ «البريميرليج»، محققاً 353 فوزاً في 490 مباراة، ما أنهى على الفور تفكيراً عميقاً بشأن مستقبله، ليقرر البقاء على رأس القيادة الفنية للنادي، لشعوره بحاجة الفريق الماسة إليه، لأنه ربان يستطيع أن يجنّب سفينة «السماوي» التحطم بسبب الأمواج العاتية، وفيلسوف يمكن أن يبدع وصفة للصعود مجدداً إلى القمم، وقائد بارع يستطيع أن يقود الفريق إلى زعاماته التي حجزها لنفسه منذ تسع سنوات.
كثير من الوفاء، كثير من العرفان، وكثير من التقدير الذي تأتي به المعايشة، فإن أبقى جوارديولا نفسه مدرباً لـ «المان سيتي» لموسمين آخرين، لأنه فوق الوفاء والامتنان، موقن بأن فكره المتوقد، وخياله الخصب سيقودانه لألقاب أخرى، وما رغبت إدارة «السيتي» في أن يستمر «بيب» مدرباً لفريقها، إلا لأنها عرفت فيه الكيميائي الذي لا يعجزه تحويل الجمرة إلى ثمرة.