يتقارب تاريخ وفاة الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، بيوم، وانتخاب المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ خليفة رئيساً للدولة في يوم، وسم بتسميته يوم العَلم، وتلك وصية من المؤسس ومن خلفه بأن يكون هذا العلم الذي وحّدنا قطباً ومنارة نهتدي بها على الدوام، ونحتفي به كل عام. ولأنه من أجل كل شيء جميل في بلادي، ومن أجل تلك الراية التي لم تسع إلا في الخير، ولم تسلك إلا للخير، عوناً للصديق وسنداً للأخ، وخيراً عميماً ومغدقاً على الجميع ممن نتشارك معهم تلك الروح الإنسانية الغالية، بشارتنا التسامح، ورسالتنا المحبة، نقف في الثالث من نوفمبر كل عام صغيراً وكبيراً، قريباً وبعيداً نحيي العلم في يوم العلم، لأنه يستحق الكثير، ويستحق تذكر الرحمة على كل من شارك في البناء والتأسيس، وصياغة ألوان علمنا بفخر وشرف وصدق ووطنية، ونقف من أجل رئيس دولتنا «أبو خالد» فخر الرجال وعزهم وعزوتهم، رمز الخير والعطاء والسماحة وقبلتهم، ولأخوانه نخوة الدار، عن يمينه، وعلى الشمال، هم سيف وغمد، عين تغفو، وعين تحرس، وهم أجنحة الأحرار، بهم حلّقنا بعيداً في العالم، وهم رواسي الجبال بهم ذهبنا عميقاً في الوطن، ومن أجل أهل الدار، هم عمادها، وهم ذخرها، وهم المرتجى من كل شيء، والمؤمل في كل شيء، بهم ومعهم سيكون الغد أجمل، والوطن أكبر، والخطى المرسومة بختم زايد المؤسس، طيّب الله ثراه، أسرع وأطول، لا يحدّنا اليوم، ونعمل للغد، ونحلم للمستقبل. وإن كان الفضل ينقص إن لم ينسب لأهله، فلأُمِّ الإمارات.. أمّ محمد تاج الرأس.. كل الفضل والبركة، فعملها كثير، وبرها كثير، وخيرها كثير، كانت دوماً خير المعين، وخير الجليس والعضيد لذلك الرجل الكبير الذي كانت وصيته، وتمام حكمته، بأن يبقى علم الوطن عالياً وكبيراً، مرفرفاً وعزيزاً، منذ أن وقفوا أمام علم الإمارات لأخذ تلك الصورة التاريخية ساعة رفَع المؤسسون ذلك العلم بألوانه الأربعة لأول مرة، كنا صغاراً يومها، لكن بعض اللحظات التاريخية هي التي تفرض مجدها، ووقفة عزها، فلا يملك الجسد إلا تلك الرعدة والقشعريرة التي لا تأتي إلا حينما يرفرف علم الوطن أو حين يذكر الوطن بالفخر، ومعنى الشرف، ولا يصبح القلب إلا خافقاً، وكأنه يريد أن يفلت من قفصه الصدري، لا تسعه الأرض على رحبها.
على الرغم من أن العلم أو البيرق أو اللواء أو الراية أو البند، وعشرات المسميات، قديم قدم الإنسان الأول، ورفعه ليهتدي به أهله لمكانه، ومكان صيده، وقد اتخذ أشكالاً عدة، من الجلود وهياكل الحيوانات، إلا أن الصينيين القدماء، وسكان جزر الهند الشرقية، هم أول من ابتكر العلم من القماش، حوالي عام 1100 ق.م، ثم استخدمته الحضارتان الفارسية واليونانية، وعرفته الحضارة العربية والإسلامية بمختلف عصورها، وكان يتراوح بين اللونين الأسود والأخضر، ومن ثم عرفته الحضارة الأوروبية في القرون الوسطى، وكان شائعاً في الحروب والميادين وفي استقبالات واحتفالات الملوك، وعرفه الإسبان والبرتغال وأميركا اللاتينية فيما بعد بـ «البنديرا»، وهي نفس الكلمة التي تستعمل في لهجتنا قديماً «البنديرة»، ويعد العلم الدنماركي الحالي هو الأقدم في العالم، إذ احتُفل بمرور 800 عام على رفعه، وتقول الأسطورة: إن العلم الدنماركي سقط من السماء خلال إحدى الحملات العسكرية التي شنها الملك الدنماركي «فالدمار» الثاني على روسيا، وقد أصبح اليوم للعلم عِلمه ودراساته التي تسمى «الفيكسيولوجيا»، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية «فيكسيوم» أي علم أو راية أو بيرق أو لواء.
عاشت الإمارات.. وعاش علمها الذي من أجله فعلت ما فعلت، وقدمت وضحّت وخدمت، وعانت وعاونت، وعاش أبناؤها الذين ضحوا من أجل ندائها، غير ناسين وصيتها لهم؛ لتكن أياديكم بيضاء مثل قلوبكم، فليس هناك من معنى مثل الشرف، وليس هناك من عَلم أغلى عندكم من عَلم بأربعة ألوان يختصر الإمارات.