أمس، وأنا اقرأ بعض المواقع الإلكترونية، وجدت موقعاً ينصح فيه بعدم قتل السحلية، ويعدد فوائدها. فجأة تذكرت أن والدتي (رحمها الله) كانت إذا رأت سحلية، أو ما نسميها باللهجة العامية «طيطار» فوق الجدار، تصرخ لكي أقتلها بسرعة. وعندما سألتها لماذا؟ قالت: (بس لا اسكتي). الطيطار يلدغ ويسمم الأكل. قلت لها: هل تتذكرين أحداً مات بسبب لدغة الطيطار؟ نفضت يدها بانزعاج وقالت: سيري، أنت دائماً تقرئين وتحللين وتفكرين في كل شيء! صمتُّ وابتعدت عنها، حيث كانت تجلس كل مساء في حديقة البيت.
وبينما كنت أتجه لأسقي نباتات الحديقة وأشجارها المثمرة، رأيت سحلية على الجدار قريبة من حوض النباتات، تزحف وتمد رقبتها لتلتقط النمل الأسود الذي خرج من التربة حين رششتها بالماء، وتبتلعه. وهذا النوع من النمل يعتبر من الأنواع السامة. توقفت أتأمل هذا المشهد بدهشة وإعجاب وترحيب. وبعد هذا المشهد العجيب، منعت كل من في البيت من قتل السحلية أو الطيطار في أي مكان يكون؛ لأني أدركت فائدتها للبيت وللنباتات. وفي يوم ما، كنت أوشك أن أخرج من الحمام فرأيت الطيطار على الجدار تصارع صرصوراً لتقبض عليه؛ كان حجم الصرصور أكبر من حجم فمها، لكنها بعد صراع ومقاومة من الصرصور قبضت عليه وابتلعته. وفي مساء يوم آخر، رأيت سرباً من السحالي يحوم بنظام مدهش حول مصباح الكهرباء المثبت على الجدار الخارجي، الذي يعلو باب غرفة مكتبتي، والذي وضعته ليضيء الحديقة في المساء. كانت السحالي تتوزع حول المصباح في مشهد منظّم، لتلتقط حشرات البعوض التي كانت تحوم حول المصباح. فمن طبيعة البعوض أنه ينجذب نحو الإضاءة.
وفي يوم ما حين كنت أذهب كل صيف إلى بيتي في دمشق أحضرت شغالة لتنظيف البيت. وحين سمعت صوت تخبيط، تلفتت، فرأيت الشغالة تحمل في يدها قطعة خشب وتخبط بها على الأرض. انتبهت واقتربت منها وسألتها ماذا تفعلين؟ قالت: أريد أن أقتلها. نظرت بالاتجاه الذي أشارت إليه ورأيت سحلية صغيرة تركض هرباً، أمرت الشغالة بالابتعاد، واقتربت من السحلية، وقلت لها: توقفي.. توقفي لا تخافي. توقفت وأدارت رأسها نحوي، فاقتربت منها ومددت لها إصبعي.
وبهدوء وطمأنينة تسلقت إصبعي، فذهبت بها إلى الحديقة ووضعتها على الأرض، وبدأت أفكر وأتساءل: لماذا لم تخف السحلية مني؟! ولماذا تسلقت إصبعي بهدوء واطمئنان؟! أدركت لحظتها أن كل كائن في الطبيعة يلتقط الطاقة الإيجابية أو السلبية من الكائن الآخر، فيتخذ موقفه منه، بالعدائية والدفاع عن وجوده، أو بالطمأنينة والاستسلام.