في هذا اليوم من تاريخ القراءة، يطل علينا أربعاء دبي برونق التساقي، ومهارة التلاقي، وبراعة الأشواق حين تكون الأشواق كلمات تتهجى مشاعر العشاق، هؤلاء الذين جعلوا من الكلمات خطوات تتبع قطرات لأجل بلل يمد الأفئدة بماء السلسبيل، ولأجل طموحات تملأ الجعب بما تشتهيه القلوب، وما تهواه النفوس، وما يسكن في العقل من كل ما هو مرتبط بحضارة الإنسان وتطلعاته وإرثه وقوة بصيرته وصلابة عزيمته وصرامة إرادته، وجعل القراءة طريقاً ممهداً لمعرفة قال عنها الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون «المعرفة قوة»، وهي الحقيقة الدامغة عندما يكون للمعرفة لجام عقل يحدد معنى الوصول للأهداف، وكيفية تحقيقها، ومدى أهميتها في ترويض الإنسان «السائل».
في «تحدي القراءة العربي»، وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الخطوط العريضة لخطوات تبدأ من الأبجدية، ولا حدود لها سوى المدى، هو ذلك الاتساع في العقل، هو ذلك الامتداد في الروح، هو ذلك الوعي في التاريخ.
عدد المتنافسين بلغ 28 مليون طالب على مستوى الوطن العربي، وهذه النتيجة، تدحض بشكل جلي وصريح كل الافتراء على الإنسان العربي واتهامه بأنه كائن لا يقرأ.
إنه رقم قد لا يتناسب مع تعداد البشر على صفحات التضاريس في الوطن العربي، ولكن ونحن في زمن الجري حفاة على أرض حصوية، يصبح هذا العدد بشارة، والرقم يؤكد أن الاستعداد موجود، وطالما هناك عيون ترعى، وقلوب تحتضن، وعقول مزدهرة بالوعي، بأهمية أن نقرأ، فإن مستقبل الضاد لن تأفل عنه الشمس، وإن القمر لم يزل يطل من خلف الغيمة ليقول أنا هنا، طالما توجد في الوجود قيادة وضعت القراءة كأولوية لإرواء الروح، وحماية العقل من التلاشي، قيادة لها مع الكلمة مكان شاسع في مضمون القصيدة، ولها مع قواعد الخليل بن أحمد الفراهيدي بحر، جرت عليه الخيل صهيلاً، فوثبت واستلهمت من لجام راعيها كيف يكون للصهيل لحن كوني، عندما تكون القراءة هي الطريق لفهم ما بعد مضارب المجهول، وما قبل المستحيل.
هكذا يبدو هذا الصباح الأربعائي مضاءً بعيون من عشقوا الكلمة، ومن رسموا بين حروفها صورة رموش لم تزل هي الأقلام التي تنقش الكلمات على الصفحات. في هذا الصباح البهيج، يستمرئ القلب الغناء، ويحبذ أن تكون الأغنيات هي الصدح الذي منه تنبثق معاني الكلمات، وأس القراءة، والإمارات أصبحت اليوم منارة أخلاقية عالية المنسوب، وهي تتحدى أفكار المحبطين، ومشاعر اليائسين، والذين جلسوا على مقاعد البؤس يندبون الزمن، ولا مناص في أن تذكرهم بأنه لا حياة مع اليأس. طالما بقيت القراءة كلمة، تنقي وجدان الوجود، وتملأ وعاء القلب بالحب، فإن تحب القراءة، فأنت عاشق نبيل، وأنْ تكون عاشقاً، فأنت في الوجود كرامة لا تنزع عنها معطف الكبرياء، والشيم الرفيعة، وقيم النبلاء.