في حين وجد البعض التغيرات التكنولوجية الأخيرة في «النظارات الذكية» قفزة فارقة ومثيرة في التطور التقني، وجدته تراجعاً أخلاقياً واختراقاً أمنياً يعد الأشد خطورة على السلامة الشخصية من أي اختراع سابق، وتبدو الكلمات السابقة أفضل الصيغ التي يمكنني بها وصف ما ستؤول به الحال مع انتشار استخدام هذه النظارات، التي تقوم بالتعرف على الوجوه وتحديد هوية أصحابها ومن ثم استجلاب بياناتهم بسهولة واستغلالها، وهذا كله من دون استخدام اليد وفي لحظات، يحدث هذا فقط عند مطابقة صورة -وللأسف- قد تكون أنت من منحتهم إياها!!، لم أجد غضاضة -على الرغم من امتعاض البعض- من نشر صور رحلاتي على موقع فيس بوك مذ عرفته منذ سنوات بعيدة، وكنت أجد في الأمر منفعة تشبه الاحتفاظ بألبوم ذكريات رقمي، لا تهترئ صوره مع الزمن ولا يشغل مساحة في خزانتي، ويسهل استرجاعه في أي مكان ووقت.
كان الأمر ممتعاً جداً، من صورة مختارة في كاميرا الجوال إلى الموقع، ومع عبارة بسيطة ورابط للمكان يتم توثيق اللحظة للأبد، وكان الأمر يزداد لطفاً عندما يرفق أصدقاء صفحتي -المحدودون جداً- دعواتهم بالمتعة والسعادة. ولكن منذ عقد ويزيد توقفت عن ذلك لأسباب مختلفة، غير أن لا واحد منها له علاقة بحماية خصوصيتي!، هذه حقيقة، لم أفكر يوماً أن موضوع الخصوصية يمكن أن ينتهك بسبب صور كهذه إطلاقاً.
كانت مفردة «الخصوصية» لها معنى مختلف تماماً بالنسبة لي في تلك الفترة، فقط له علاقة بممتلكاتي الخاصة ومساحتي الشخصية، لم ألحظ قط أن العصر الرقمي الذي غمرنا مع ظهور وسائل التواصل وتعددها، أعاد تشكيل اعتبارات الخصوصية بشكل كبير، فقد كُنت طوال الوقت -وبغفلة مني- أُوفِّر بيانات اعتقدت بكل سذاجة أنها عادية، ولكنها أصبحت فيما بعد سلعة معرضة للمراقبة والتحليل والمشاركة والاستغلال!، هذا ما نعرفه جميعاً حول تحوّل بياناتنا الشخصية إلى سلعة تجارية من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى التي حولتها إلى ملفات تتنبأ بسلوكياتنا وتفضيلاتنا، عبر خوارزميات متقدمة وبيعها لمعلنين وأطراف تستفيد منها تجارياً.