في مقطع فيديو يتبادله الناس فُكاهةً، يخبر طفل - في الثامنة من عمره تقريباً - والده بأنه سيريه خُدعة سحرية تقتضي بأن يرمي صحناً زجاجياً على الأرض من دون أن يُكسر، فيخبره الوالد أن الصحن سيكسر، فيرد الطفل: ثق بي.. لن يُكسر. يُلقي الولد بالصحن فيتهشم إلى شظايا صغيرة تملأ المكان، فيصرخ الولد على والده قائلاً: لماذا لم تُمسك الصحن قبل أن يسقط على الأرض؟ فيرد الأب: لماذا أمسكه.. لقد قلت إنه لن ينكسر؟ فيرد الولد بغضب: لقد أفسدت الخدعة السحرية التي تتطلب تدخل يدك لإنقاذ الصحن!
يمكن رؤية الموقف من عدة نواح، غير أن الزاوية التي سيسود الاعتقاد بها هو التعاطف مع الصبي الذي خذله والده، ولم يتدخل في الوقت المناسب لإنقاذ الصحن، فالأطفال يرون لذويهم قدرات خارقة يثقون بها يجب أن تكون حاضرة باستمرار.
في رأيي، أنه في حالة كان الطفل طبيعياً ولا يعاني قصوراً ذهنياً معيناً، فإن هذا الموقف يشير إلى دلالة كارثية في تطوره المعرفي ونموه الإدراكي. فالمفترض أنه وبمجرد نضوج حواسه الحركية وحواسه الإدراكية مثل التحدث بطلاقة والتحاور والوعي بمفردات البيئة حوله - وهي أمور تكتمل عادة بين 3 إلى 5 سنوات - فإن فعلاً كهذا لا يجب أن يصدر منه، مهما بلغت ثقته بوالده الذي من المفترض أنه سيتدخل. وخصوصاً إذا عرفنا أن قدرة الإنسان على الإدراك والاستنتاج وحل المشكلات تنمو معه مبكراً جداً، بل وتؤكد بعض الدراسات العلمية أن الأطفال قبل بلوغهم عامهم الأول يصبحون قادرين على التفكير المنطقي، واستنتاج نتائج معينة مبنية على معطيات مسبقة وتسلسل منطقي للأفكار، غير أن هذا الأمر مشروط بطرق تعلمه ومعطيات البيئة المحيطة به.
إذاً فالعلاقة الشرطية هذه المتعلقة بالتعليم ومعطيات البيئة تحتاج إلى وقفة حقيقية نطرح فيها بعض الأسئلة على أولئك المسؤولين عن توفيرها، سواء من الأهل أو مؤسسات التعليم. مثل: ما هو التعليم المنهجي الذي نقدمه لهؤلاء الصغار والذي يجعلهم قادرين على الاستدلال السليم والتمييز بين المنطقي وغيره؟! وما هي المعطيات التي نوفرها لأطفالنا لكي يدركوا عواقب التصرفات المتهورة التي قد يرغبون بالقيام بها؟ بالتأكيد درجات التهور مختلفة، ولكن شظايا الصحن المكسور على الأرض - التي اضطر الوالد إلى لملمتها بعد أن دخل بعضها في قدمه - نموذج مناسب جداً لتعليمنا، نحن الكبار، معطيات جديدة توسع من إدراكنا بالنتيجة المتوقعة من سلوك أطفالنا، إن بقيت طريقة تربيتهم والمعطيات المحيطة حولهم.. بيد غيرنا!