الكل يعرف أن الدواء شفاء من الأمراض، هذا ما قاله العلم والأطباء، لكن لماذا لم يقولوا إن الشعر أيضاً شفاء للأرواح والأجساد من ألمها وقلقها وحيرتها واستعصاء أحلامها؟ بلى.. أنا أقول إن الشعر شفاء من جميع أمراض الجسد! وأعني هجس الشاعرية وليس الكتابة، ولا القصيدة. الكتابة وسيلة والقصيدة رداء. الشاعرية مبتغى الكتابة والقصيدة كلمات ورداء. الشاعرية عافية الجسد والكون والإنسان، كأنها كنز الطبيعة. وحين أقول هجس الشاعرية أعني بهاء الحياة وإشراقها في العمق وسرها ولذتها، وضياءها وتفتحها وطلاقتها وصعودها المتعالي.
 يقولون إن الشعر نار الشاعر! لكن الشعر ليس النار، بل قلب اللهب. هو التماع الفكرة، وكأنها برق الروح. هو السطوع البسيط العصي على الكشف، والانغلاق والخواص والحيرة في العناصر.هو نزق الخيال، لا قيد الواقع. كأنه الفصول في تعاقبها. الشعر كالقدرة في الكيمياء. هو البراري والسهوب القصية والفضاء الطلق. هو كنه الحرية وعصيانها وطرقها الدؤوب! الشاعرية لا محدودة ولا متناهية. لا مدركة ولا متجسدة، ولا مرئية، مخاتلة تقتفي الشرود.
 الشعر ليس الوتر، بل موسيقى الخيال. الشعر ليس القول، بل ما تشي به خفاياه. ليس الدهشة، بل شهقتها. الشعر لا يدركه الشعراء إلا حين يتبعون التيه في خطاهم. الشعر لا سؤال ولا إجابة. هو البهت في السؤال والانبهار في الإجابة. الشعر ليس البحر، بل الإبحار. ليس النجاة، بل لذة الخطر. الشعر لا يخضع لأنه خارجٌ أبداً. كل كتابة محاذاة. الشعر انفلات لا يحاذي ولا يقترب.! كل قصيدة تصف التفاصيل وتشرح السائد. كل غموض يسير إلى الكشف. الشعر طلسم لا ينكشف إلا عليه. كل سائر إلى غاية يصل. الشعر سفر أزلي لا تحده الخرائط. الشعر مسٌّ لا تجسد له ولا رقى تمحوه ولا شفاء لشاعر منه. كل عاشق له معشوق. وكل محب له محبوب. الشعر عشق عصي على الذبول، وحب متجذر في ذاته لذاته. كل سرد يخضع للتأويل والنقض والتحليل. الشعر عصيان متجذر يستعصي إلا على العصيان. كل مبتدئ له منتهى، إلا الشعر فإنه ابتداء لا يدركه الانتهاء. الشعر شاعرية الروح والخيال، لا أبجدية تخضعه لمقاييسها ولا قوانين تحده. الشعر عزف الطبيعة على وتر الكون والإنسان والكائنات. الشعر حكمة الحياة يعزفها الخيال على قيثارة الأيام والأحلام. فأين طوحت بخيالي وهجس شاعريتي أيها الألم الفظ اللئيم؟