تواقٌ لما يجعل الحياةَ كرنفالاً حقيقياً. قلتُ في أول الأمر: فيلكن القلمُ سيدي، به أطعنُ الوهمَ وانتصرُ للكلمة. وبه أحاور النار بأن أرمي المزيد من الأقلام في فمها لعلها تصيرُ صوتاً وتُشعلُ فتنة المغامرة في لبّ روحي.
ثم قلتُ في ثاني الأمر: أريد حياةً تضجُّ بالفرح العظيم. كأن أرى الأشياء على حقيقتها كما هي، وأن أفطن إلى وجود الخطأ في قلب الصواب. وورقة بعد ورقة، وكتاباً بعد كتابٍ، صرتُ أغرق في بحرٍ من التناقضات. وحرفاً بعد حرف، وسؤالاً بعد سؤالٍ، أدركت أن لغز الوجود يكمن في فهم كلمة «اللانهاية». كأن ترى الزمن كله باعتباره لحظة واحدة مُطْلَقَة، وأنك مركز هذه اللحظة وجوهرها ومعناها.
كل احتفالٍ بالحياة هو ولادة جديدة لروحك. اقفز مع القافزين إلى خارج الدائرة، واصنع ممراً للذهاب بعيداً لملامسة المدى. اصنع حذاءك من خشب سفينة غارقة، وحاول أن تمشي على الماء. وإمعاناً في هذا النأي، جرّب أن تصعد جبلاً لتزرع شجرة في القمة، ودرباً بعد دربٍ سوف ينتمي إليك ابتعادك.
ليت الوضوح بحر، وأنا أسبحُ فيه. ليت المسافة لا تبتعد، وآهٍ لو أصفّق للغيمة فتمطر، وأرمي حجراً في ركود الماء ثائراً على ضمور الخرير في أغانيه.
دعني أيها اليأس. أنت مركولٌ ومركونٌ، ولا أراك إلا مجرد هشاشة وشيئاً من رماد. دعني أيها الخوف، أنت أقفالي كلها. وأنت الكلمة التي عليّ أن أمحوها من سبورة الطفولة لعلي أشعرُ بأنني حر، أركض وأقفز، ويمكن أيضاً أن أطير.
هي الحياةُ إذن، هذه اللحظة العظمى من وجودك، ينبغي أن تعاش بفرحٍ عظيم. اكسر حصّالة الأسباب وانثر رمادها في النهر. اقبل بالنتيجة أولاً، ثم حاول تغييرها إن أردت. هكذا تمتلك زمام ذاتك، وتعطّل كل ما يقيّد خروجك من ماضيك.
أن تذهب إلى الحياة بنية أن تعيشها، يعني أنك تُمسك الآن بأول الخيط، ولا يهم بعدها إلى أين سيقودك سرّها. ومثل بقية من عبروا هذا الوجود واتسعت أرواحهم لروعة ما فيه، أنت أيضاً يمكنك أن تجرح العاصفة وتعبر من منتصفها. ويمكنك أيضاً أن تنفخَ على أيامك المغبّرة، وتعيد تلميع أيامك كما تريدها أنت، غير مكترث بما يريده النقيض الذي في داخلك، أو الآخر النقيض.
الحب والحرية كلمتان وحيدتان في قاموسك كله. وتكفيانك بالطبع كي تعبر نحو الضوء العظيم.