عادت كرة القدم إلى إسبانيا، عادت إلى موطنها في مدريد وكتالونيا وجاليسيا وإقليم الباسك والمقاطعات المحيطة.. يبدو أنها تسكن هناك، حيث تُوج منتخبها الشاب بكأس أوروبا للمرة الرابعة، وهو رقم قياسي بمثابة مكافأة لهم على التمريرات الجميلة واللعب المتميز، على الأجنحة والشراسة الهجومية، والوسط المسيطر، فلا فريق من دون وسط يملك منطقته بصورة تحرم الوسط المنافس من مجرد المحاولة.
هذا درس مهم للغاية، لقد واجه منتخب إنجلترا أفضل فريق في البطولة، التي أنهاها بسبعة انتصارات متتالية، لأنه الفريق الأكثر تماسكاً في الضغط والمهاجمين، وضغط الفريق في بعض المباريات كان لافتاً، فهو ضغط متقدم بالتمركز وليس بالجري.
المباراة النهائية كانت ممتازة مليئة بالإثارة ضد فريق البطولة، كانت إسبانيا هي الدولة المسيطرة في ربع القرن الماضي على كرة القدم، وهي عبارة عن «ورشة تكتيكية» غذت أسلوب التدريب العالمي، وهو أسلوب مرسوم ببصمة جوارديولا في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ويعرف الإسبان كيفية الفوز أيضاً، لقد وصل منتخب إسبانيا أو الأندية الإسبانية إلى 27 نهائياً في كأس العالم وكأس أوروبا ودوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي في آخر 23 عاماً، وفاز الإسبان في كل مرة، المرة الوحيدة التي خسر فيها فريق إسباني المباراة النهائية كانت عندما لعب ضد فريق إسباني آخر!
هل هو فوز عادل لإسبانيا؟ نعم.. فالأرقام كلها مع الإسبان، وإحصائيات الاستحواذ بعد 20 دقيقة فقط تقول إسبانيا 71%، «وبيكفورد» 29%.
فقد بدأت إسبانيا المباراة، وكل لاعب من لاعبيها لمس الكرة، قبل أن تكمل إنجلترا تمريرة، وفي هذه الدقائق كان منتخب إنجلترا يائساً، وديعاً، وفلسفة مدربه تقوم على الاحتواء، احتواء الهجوم الإسباني، واحتواء سرعة الجناحين ومهاراتهما، لامين يامال ووليامز، واحتواء سيطرة رودري على الوسط، وانتظار فرصة قادمة، سوف تأتي حتماً، وقد جاءت مرتين بهدف التعادل ثم في نهاية المباراة بفرصة ثلاثية، بثلاث ضربات رأس، وفي النهاية كان الفوز للأفضل.. إنها بعض أيام العدالة في كرة القدم.
الفرق الكبيرة تفرض سيطرتها، وتملك المبادرة بمواهبها وبأسلوبها وبحيوية لاعبيها، ولاحظ أن معدل أعمار الإنجليز في المباراة 27 عاماً، بينما معدل الإسبان 26.5 عام، ولا يوجد فارق ومع ذلك بدا منتخب إنجلترا فريقاً جاهلاً بجوار أبناء لافونتى.
هل أراد منتخب إنجلترا البطولة؟ نعم أرادها بشدة.. هل امتلك ما يمكنه من تحقيق ما يريده؟ لا قطعاً، وانظر إلى نجوم الأسود الثلاثة، بيلينجهام رسم لعبة جميلة بطريقة زيدان وسدد واكتفى، وساكا ظن أنه فعل واجبه بهدفه الرائع في مباراة سويسرا قبل أيام، وهاري كين منذ بداية البطولة وهو هائم مثل شبح هاملت، وانتقل إلى الإسبان وإلى نجومهم، يامال، ووليامز ورودري، وموراتا وأولمو، وكارفاخال، وانظر كيف لعبوا وتحركوا كأنهم أطفال يلهون ويمرحون في شارع الحي؟
** هذا هو ما يفصل الفرق الكبيرة مثل إسبانيا عن الفرق الكبيرة الأخرى مثل إنجلترا.. لكن لا يمكنك أبداً أن تكون ما لا يمكنك أن تكونه!