مثل رذاذ المطر الذي يحدث «قشعريرة» في الجسم، مر الإعصار الجورجي خفيفاً على إسبانيا، صحيح أنه جعل هذا المنتخب الشجاع يقتنص هدفاً، تقدم به منذ الدقيقة 18، لكنه لم يضمن حضوره لزمن طويل في سماء المباراة، فقد أرسل الإسبان ما يفجر كل سحابات الشك، لتنقشع السماء، وتشرق على ملعب رين إينرجي ستاديوم بكولون، شمس «لاروخا»، وتعزف قطعة موسيقية جميلة، ستعيد السكون إلى ملعب الصخب.
لم يطل المنتخب الإسباني الوقت، في وضع مدرعاته الهجومية في أماكنها، لتبدأ عملية الزحف المنظمة والمرتبة، وينتهي بنا المشهد إلى معزوفة مكررة للفرقة الموسيقية الإسبانية.
شيء مما تشتهيه وتستلذه العيون، هذا الذي يقدمه المنتخب الإسباني، حيث يأتلق الأداء الجماعي، فيكون نشيداً ملتهباً، وحيث يسمو الامتلاك، فلا يكون مرادفاً للملل، وحيث يرتقي البناء الهجومي بمتواليات الصنعة والإبداع، لمستويات تستنهض المشاعر وتحقق المتعة.
ظننت يوماً أن «التيكي تاكا» قد أفل نجمها، وما عاد عالم كرة القدم يذكر منها، إلا ما كان على عهد الفريق الأسطوري لبرشلونة بعازفه الساحر ميسي، وبفيلسوفه بيب جوارديولا، لكن ما شاهدته من المنتخب الإسباني، ليس فحسب في مباراة الدور ثمن النهائي أمام جورجيا، ولكن أيضاً في مباريات دور المجموعات التي حقق فيها العلامة الكاملة أداءً وتنقيطاً، يؤكد أن الشاكلات لا يمكن أن تحيا إلا بالمبدعين، ومنتخب إسبانيا بالشكل الذي بناه دي لافوينتي، يعج بالمبدعين الذين يشجعون أي مدرب على أن يرحل بعيداً في عوالم التخيل والإلهام.
بوسط ميدان يتشكل من بيدري، رودري وفابيان رويز، تحصل منتخب إسبانيا على خط هلامي، يضبط سرعات التحول من الحالة الدفاعية إلى الهجومية، ويحقق نسبة عالية في الاسترجاع، ويحقق التوازن المطلوب، في حال رفع «البلوك» إلى مستوى متقدم، ومن هذا الوسط القابض بإحكام على الوثاق، يتزود الهجوم بجناحيه الناريين، لامين يامال ونيكو وليامز ورأس الحربة الملتهب موراتا، لكي يحقق العصف الهجومي الذي جاء برباعية أمام جورجيا وبثلاثية أمام كرواتيا.
ستقولون، إنني بهذه التوصيفات، أجعل من منتخب إسبانيا مرشحي الأول للظفر بالكأس الأوروبية، لكنني حتى لا ألدغ من جحر الجزئيات التي تذهب المنطق، أعتبر منتخب إسبانيا أفضل من شاهدتهم حتى الآن تفكيراً وتدبيراً وروحاً للإبداع،
وقطعاً لا يمكن أن يقطع هذا الوصال الجميل بين المنتخب الإسباني وبين تراتيله التكتيكية الجميلة، إلا حالة من النبوغ يكون عليها المنتخب الألماني المحمول بقوة على أكتاف جماهيره، أكثر منا هو محمول على أداء جماعي مبهر.
وإذا ما نجح منتخب إسبانيا الجمعة في إسقاط ماكينات المنتخب الألماني من الدور ربع النهائي، فإن الكأس ستدعوه لمنصة التتويج، ليكون فارسها المثالي.