لو توقفت الحروب ماذا سيحدث في العالم؟ ولو فكَّر الإنسان بدلاً من صناعة البندقية، فكَّر في تحويل مياه البحار والمحيطات إلى مياه عذبة. ولكن السؤال كيف يستطيع الإنسان أن يتخلى عن البندقية ما دامت النفس منقسمة إلى قسمين النفس العدائية والأخرى المعاتبة.
إنه المأزق الوجودي الذي وقع فيه الإنسان وجعله غير قادر على إحداث الفارق بين السلام النفسي والحرقة العارمة.
والسؤال هنا يعرج بنا إلى زاوية حادة مسننة كأنها السكين وهي هل يستطيع الإنسان أن يتخلص من هذا المأزق بأي شكل من الأشكال؟ لا شيء مستحيل في هذا الأمر، ولكنه لا شك أنه صعب للغاية. لماذا؟ لأن الإنسان قضى ردحاً من الزمن وهو يشرب من كأس ثقافية مرة فحواها فكرة بغيضة وهي (أنا ومن بعدي الطوفان).
من هذه الفكرة انطلقت الشرارة الأولى والتي جعلت الخوف البشري يقف في الطريق متحدياً الإنسان أن يستطيع العيش من دون قوة تحميه.
واستمرت الحياة على هذا المنوال مشحونة بمشاعر الفرز (الأنوي) وكلما كبر الإنسان كبرت معه هذه الفقاعة وتضخمت وتورمت، وما أن تصطدم بحاجز يمنع النفس من تنفيس ما لديها من رغبات حتى ينفجر ذلك الورم الخبيث ويشيع الفزع والرعب في نفس الإنسان، وما عليه إلا أن يهرع لانتزاع فتيل بندقيته في وجه الآخر.
لهذا السبب نرى الحروب تشتعل بين الأفراد، وكذلك بين المجتمعات، والمبررات فيما لو تأملنا فيها سنجدها تافهة وهي مجرد خدع خيالية لا أكثر، أما في الحقيقة فلا أساس لأي صراع بشري ولا مبرر لإسالة الدماء لمجرد الاختلاف على العرق أو الدين أو اللون.
ولذلك فإنني أقول إن هذا الإنسان الجبار الذي اخترق الكثير من المصاعب، واستطاع أن يلاحق نجوم الفضاء، ويحقق منجزات مذهلة، هذا الإنسان نفسه يقف عاجزاً أمام مشكلة بسيطة وهي إيقاف نزيف الأنانية وكبح جماح الأنا والعيش بسلام مع الآخر، ولمصلحة الجميع.
اليوم وأنت تتأمل الخريطة العالمية تشعر بالتقزز من سلوك دول وتيارات وحملة الأفكار عندما ترى الدماء تسيل لمجرد الخلاف على بقعة أرض أو تناقض الأفكار أو تباين في الأديان.
فعلاً مسألة تثير الألم في النفس عندما تحدث مثل هذه الصدامات لأنها لا تند إلا عن غباء بشري وعصبية جاهلية وسقوط مريع للعقل وانهيار الروح وتدهور المشاعر، والتي كان بالإمكان تلوينها بالزاهي من الألوان، لأن الإنسان امتلك العقل من دون سائر المخلوقات، ولكنه للأسف استخدم هذا العقل سلاحاً لتدمير المنجز في الطبيعة وتلويثه وتمزيق نسيجه حتى أصبحت أمنا الأرض تعاني تهتك العظام واضمحلال الجسد، وبالتأكيد فإن هذه الأحوال ستؤول بنا إلى مآلات لا يحمد عقباها فيما لو استمر الإنسان يحطم الأخضر ويستنزف العذب ويفتك بالأحياء، لأنه واقع تحت سطوة إغراء الأنا وما توحي إليه من عنصر القوة والجبروت والغطرسة والتعنت والتزمت.