ألا تذكرين ماذا حدث لك في ذلك اليوم؟ كنت تعبرين طرقات الحياة وحيدة إلا من جذوة تعصى على الرماد. بين محطة ومحطة، وبين لحظة ولحظة، ترقبين الأفق وتستشرفين سطوع الضوء في عتمة العبور. لا تضاريس تحنو عليك لتستكيني إليها، ولا سماء ترخي عليك ظلالها لتبتردي من قسوة الطقس. كنت على طمأنينة الظل تتكئين وتسندين أحلامك على جدار الوعود. فمر عليك أمل كالبرق صاعق وشطرك نصفين، واختطفك إلى غموض فضاءاته حتى صرت كنجمة تتلألأ في مدار الفضاء، لكن في عمق أسرارها تختبئ براكين الحمم! وها أنت تتقدين الآن، ويداك كشعلتين تضيئان دربك. وقلبك أصبح كالمحيط الذي يختزن الجوهر واللآلئ والزلال والملح والمر، ويفيض منك عليكِ وعلى كل من حولك وما يحيك بك. فمن غدوت أنت الآن؟ ساحرة ارتد سحرها عليها؟ أم أنك ومضة أضاءت ذاتها وتعددت. ألست أنت الآن هائمة شأنك حين تهيمين. ألست أنت الآن راسخة كالطود، وبارقة كالأمل الذي يشع خطفاً ويوشك على التجلي. أنت الآن كلك تجمعتِ فيك وتكونتِ لتكوني امرأة واحدة وكل النساء معاً! وحين تحدقين في المرآة فلا ترينك إلا شعاعاً يدفق من مصدر خفي. تسيرين بخفة الزغب المتطاير في هبوب النسيم، وحين ترقدين ترف أجنحة السكينة حولك كفراشة تهدأ لتتهيأ. أصابعك مترفة كبتلة الوردة حين تنث عطرها. وفي جسدك رعشة ما بعد الارتجاج حين الزلازل. وبين شفتيك نهنهة الجذور حين سخاء الماء، وفي رئتيك شهقة الغبطة حين الدهشة. وفي قلبك عزف شفيف شجي على وتر النبض.
مكتظة حتى الفيض. كأنك النهر حين احتدام الماء. كأنك الحقول تجمعت وتفتح الزهر حين سخاء الربيع. كأنك العناصر كلها والكون والطلاسم تجمعت لتكوني أنتِ! هل هو الحب إذن؟ لا.. الحب لفظة في أغنية سمعتها وتسمعينها. أنة في لحظة ندم، أسى في لحظة حسرة، خوف خفي من فراق محتمل، ذهول آني واشتهاء خاطف، وهجس ينتظر. أنت لست بعض هذا ولست كل هذا. أنت خارجة على بعضهم والكل. فمن أنت؟ هل هي السعادة إذن هذه التي ترفلين بها، مجنحة كأنك هي؟ لا.. السعادة خفق خفي عابر، لحظة برق خافت بين سكون سحب لا تكترث بالهطول. لا أنت لست بعض هذا ولست كل هذا.. فمن أنت؟ طلسم ينقفل ويستعصي على الكشف؟ صياغة تعصي على البلاغة؟ نص ينطوي على دلالته؟ شيفرة لا تخضع للترميز؟ لا.. أنت لست بعض هذا لأنك كل هذا!