أتصفح كتاب «ذاكرتهم تاريخنا» وهو جزء من سلسلة التاريخ الشفاهي لدولة الإمارات العربية المتحدة، تستخدم الراوية عائشة أحمد الشهياري مصطلح «الإهاب» الذي كان إضافة جديدة لمفرداتي، فما كان مني سوى البحث في لسان العرب عنه، وقبل أن أصل إليه بحثت في الكتاب الذي بين يدي، وهو لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ عنوانه «البُرصان والعُرجان والعُميان والحُولان»، الذي عرفها كما فعل كتاب «ذاكرتهم تاريخنا» «الْإِهَابُ: الْجِلْدُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ مَا لَمْ يُدْبَغْ، وَالْجَمْعُ الْقَلِيلُ آهِبَةٌ».
وأدهشني أمر استخدام واستدامة ذلك المصطلح من العصر العباسي الثاني إلى وقتنا هذا، وكم من هذه المصطلحات الدفينة علينا أن نبحث ونوثق ونضعها في نسقها الصحيح فنتعرف عليها ونستخدمها لتستدام. وسرت أتنشد من حولي وأسألهم عن المصطلح فقال لي أحدهم:«دومك تتنشدين وتتخبرين وتتقصين لعلوم»، فكان ردي «بنشدك يالكندورة، عن من خاط ودرز قالت حسِيْن الصورة لي في الرايح برز»، فضحك قائلاً: انزين شو يعني كندورة؟، فقلت له: من دق الباب ياه الجواب.
يُعَرفُ صاحب اللسان كلمة نَشَدَ بأنها تعبر عن النداء والسؤال، فيقول:«نَشَدْتُ الضَّالَّةَ إِذَا نَادَيْتَ وَسَأَلْتَ عَنْهَا. وَأَنْشَدَهَا: عَرَّفَهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا: نَشَدْتُهَا إِذَا عَرَّفْتَهَا وقد زَعَمُوا أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِابْنَتِهَا: احْفَظِي بِنْتَكِ مِمَّنْ لَا تَنْشُدِينَ أَيْ لَا تَعْرِفِينَ. وَنَشَدْتُ فُلَانًا أَنْشُدُهُ نَشْدًا إِذَا قُلْتَ لَهُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَيْ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ كأَنَّكَ ذَكَّرْتَهُ إِيَّاهُ»، أما الكندورة فهي كما شرحها الباحث جمال بن حويرب «لم ترد كلمة كندورة في معاجم اللغة، ولكن وردت كلمة قندورة، وهي تعني ملابس النساء، والقندرة هي الثوب القصير، ذكرها الإدريسي في معجمه، والجمع قنادير وقنادر، مع مراعاة ظاهرة الإقلاب القاف تصبح كافا في بعض لهجات العرب».
ومن نتائج بحثي أن يذكر الباحثون أن معجم الإدريسي تناول كلمتي قداوير وقداور، وهي كلمات مشتقة من المفرد العامي قداورة أي ثوب، قميص. وذكر أحدهم بأن الكندور قميص طويل يربطون كميه منه عندما يشتغلون، وكذلك يفعل البحارة والرجال في بيئة عملهم هنا.
للعارفين أقول، الشكر للباحث الإماراتي جمال بن حويرب، الذي يصر على صدق المعلومة ومصداقية البحث التاريخي وتوثيقه لاستدامته. تاريخنا وحضارة دولة الإمارات وثقافتها وذاكرتها الحية تعتمد على الأمانة في نشر المعلومات، لاسيما في توفر المراجع والمصادر وتنوعها، وهذا ما يوفره الأرشيف والمكتبة الوطنية، وتحثنا عليه قيادتنا الحكيمة التي تبنت الاستدامة، ولدينا ما يثبت أن للإمارات موقعاً في عمق اللغة والتاريخ، فنحن ما زلنا نستخدم مفردات ونتعامل بأخلاقيات عرفتها العرب ومارستها من قديم الزمن، ونتطلع إلى مزيدٍ من عناصر الاستدامة.