اليوم المشهد الاجتماعي، وطريقة حياة الإنسان الفوق عصري ومعيشته تبدو معقدة قليلاً، ومتشابكة في جوانب منها، ومضطربة من نواحٍ أخرى، فالإنسان في طور رقيه وتمدنه وتعاليه العلمي والتفكيري، يسعى لتحطيم ذاته، ونزع الروح مقابل تمجيد العقل، يريد أن يغير الكثير من الثوابت والقيم التي بنت عليها الحضارات أحلامها وآمالها، والأمم حروبها وسلامها وتجارتها، يريد شيئاً جديداً ومختلفاً، وإنساناً قد يكون مشوهاً، مثل «فرانكنشتاين» من يدري؟ من أجل ذلك يسعى للعبث في الجينات والهندسة الوراثية، وينشد مزيداً من العمر بتجديد خلاياه ليصبح فوق المائة عام، وينعم بصحة بدن أعضاؤه متعافية، والجلد متماسك، والعظام سليمة، وفي المقابل لا يمانع في أن يتخلص من بعض الأجيال الكبيرة والمعقدة بنمط تفكيرها وعقدها الاجتماعية، والتي يشكل بقاؤها عبئاً مالياً وصحياً واجتماعياً على النظام العالمي، خاصة تلك الأجيال التي شهدت مجتمعاتها حروباً أهلية أو كونية، ويشكلون ارتفاعاً في نسبة الإجرام والتهديد بالعنف، وسوق المجتمعات نحو بدائية متأخرة، مثل العودة إلى الطبيعة، والمحافظة على البيئة، ومنع الإجرام بحق الأرض والإنسان ومكونات الحضارات.
وفي سبيل هدم تلك المناداة، ومحاربة الخُضر، تم استحداث أو خلق إنسان إلكتروني كوكبي أممي يصلح أن يعيش بمفاهيم عامة ومتطورة وقابلة للتفكير البعيد في مجتمع أشبه بقرية عالمية صغيرة، بعيداً عن التعاليم الدينية وثقافات المجتمعات، وقيم إرثها وتقاليدها، وسعت الجهود لتسهيل سيادة لغة واحدة، هي الإنجليزية الجديدة، ومحاولة إذابة اللغات الأخرى، إما بالتقادم والنسيان وجحود الأبناء، وإما بإشاعة التعميم، وربط الأشياء بلغة السوق وفرص العمل، وهذا أول مضرب للهوية وخصوصية الثقافة للمجتمعات الأخرى، مقابل الكونية والإنسان الكوكبي الذي لا نعرف ماذا سيرتدي مستقبلاً لتحديد هويته التي بلا قومية، ولا منهج ديني، ولا قبيلة عرقية.
بعد ذلك بدأ المخطط في التسرب للنسيج الاجتماعي بأشياء كثيرة، ومهددة في تبني الأفكار المتطرفة والعنف المضاد والإجرامي، وإفشاء المخدرات بأنواعها، والتحرر والتفكك الأسري، وتكوين مجتمعات صغيرة تمتهن إذلال الإنسان؛ مثل جمعيات الكلاب البشرية وجمعية الخنازير البشرية، وجمعية المستذئبين، وهؤلاء بشر من كافة طبقات المجتمع التي تمتهن إذلال نفسها بعد انتهاء دوام عملها، كنوع من المازوخية، وهي التلذذ بتعذيب النفس، وارتداء ملابس الحيوانات التي اختاروها ليعيشوا عيشتها ويأكلوا من أكلها، وحتى تجد من يتبناها من طبقات المجتمع البشري المرفهة.
اليوم كبر ذلك المخطط، في محاولة طمس الفروق بين الجنس و«الجندر»، وفرض التماهي بين أجناس البشر، وخلق أنواع من الجنوسة أو الجندر الجديد بين الذكر والأنثى، وحجتهم الخروج عن التقسيم الأزلي لجنس بني البشر؛ آدم وحواء، ذكر وأنثى. متسائلين دائماً: لابد من إيجاد تقسيمات جديدة وكثيرة لتستوعب الأجيال المقبلة والقابلة، والتي ستختار حريتها المطلقة في تحديد نوعيتها ونمطها وجنسها، لأن لا مقدس سيكون لديهم، لأنهم يهدمون كل مقدس؛ دين، لغة، ثقافة، إرث وقيم، وتصنيف الجنس البشري، ساعين لخلق مجتمع المذكر السالب والموجب، وغداً نكمل..