كل التوفيق لابن الإمارات «سلطان سيف مفتاح النيادي» في مهمته الفضائية، والذي زاملت أبيه في الدراسة، يومها كانت لكل منا أحلام، بعضها كان قريباً وبعضها الآخر بعيداً، تحققت بعضها، وقاربت بعضها، وسافرت أخرى، بعض من هذه الأحلام سربّناها للأولاد، وبعضها اختصصنا بها النفس لخريف العمر، لكن الكثير من الأحلام لم نحلم بها، لكننا استعنا عليها بالذي نملك ولا نملك لنصل إلى منتهاها، في حقيقة نفسي لا أدري لمن أفرح أكثر للابن في رحلته الفضائية، أم للصديق الأب في ساعات الانتظار الطويلة لعودة الابن بأحلامه من الفضاء، واستخرت أن أجعل الفرح للوطن.. للإمارات لأنها تستحق منا الكثير، ويستحق أهلها الطيبون الكثير.
نعود لمسألة هل ثمة أحلام في الفضاء أم أننا نتركها مخلفينها على الأرض، ونحن نسبح في فضاء من ملكوت الله؟ ونعود لقصة رواد الفضاء وأحلامهم الأولى، ولدولتين كانتا تتسابقان لغزو الفضاء، ومن كانت لها الريادة وقصب السبق، لا شك أن الأمم حين تغيب شمسها، ويأفل نجمها، لا تجد غير الماضي الجميل تجترّ منه ذكرياتها، وصدى انتصاراتها، وذلك المجد الغابر الذي يهب النفس بعض الثقة والاحترام، ولا توجد مثل أمة العرب والمسلمين يطربها صوت ماضيها، وتعضدها حسرات التنهد على دارس والرقيم والبكاء على الأطلال، وزفرات العربي الأخيرة في الأندلس، لكن الروس هذه المرة دخلوا وبعنف بعد الزلزال الذي هدّ كل شيء، فدخلوا على الخط متأخرين كعادتهم دائماً، ويبدو أنهم سيكثرون من النحيب على أشيائهم التي كانت جميلة في العهود الخاوية، والأيام البالية، حين كان الروس يلوحون بصواريخهم، وباستعمال الفيتو.
اليوم وبعد أن تفكك ذلك البلد الذي يجمع قارتين- حيث تبعد أقصى مسافة عن الأخرى 13 ساعة طيران- وأصبح المواطن الروسي اليوم مثل «محروم وطايح في عصيدة» كل شيء يفرحه، وأقل القليل يسعده، وغدا أكثر استهلاكاً، يتمتع بهاتف خليوي أو ساعة مذهبة أو قميص مشجر، أو علبة سيجارة أميركية، المواطن الروسي اليوم، إما ضمن مافيا العصابات التي تتاجر بدءاً من الحمض النووي، وقطع غيار الإنسان، وحتى اليورانيوم المخصبّ والغواصات المكهّنة والفرو النادر، وإما مواطناً كادحاً كيفما كان زمان، لكن من دون تأمين الغذاء والدواء والتعليم والأمن، هو اليوم مرهق بأعباء الحياة الاستهلاكية الجديدة، وما فرضه الانفتاح، وقلة المورد، بكائيات الروس اليوم على سباق غزو الفضاء مع أميركا، واستحقاقات برنامج التسلح الذي جعلهم ينخّون على ركبهم الكبيرة، ويفككون كل شيء، منظومتهم الاشتراكية ودول المعسكر الشرقي والمجتمع الرأسمالي والأحلام بالشيوعية المثلى.
اليوم.. هم أكثر بكاء وبعد أن احتفلوا باليوبيل الذهبي منذ سنوات لغزو الفضاء لأول مرة، وانطلاقة الرائد «يوري غاغارين» في 12 أبريل 1961م، والذي صعد بعده 431 رائد فضاء من 32 دولة، موسكو ما زالت تفخر اليوم بسجلات الشرف كجزء من حنين الأمس، كأقصر رحلة فضائية استغرقت مائة ساعة وثماني دقائق، لكنها تنسى أطول رحلة قضاها رائد سوفييتي في الفضاء، بعد أن تخلى عنه سكان الأرض، تاركينه يسبح في ملكوت الرب، لقد ظل الرائد «سيرجي أفدييف» 747 يوماً وأربع عشرة ساعة، وهو حائر محتار لمن يتبع في الجمهوريات السوفييتية التي بدأت في الانهيار والتفكك والاستقلال عن المركز، وهو يسبح في فضاء الله، ولولا إحسان المحسنين وصدقات المتبرعين الدوليين، للبث «سيرجي» في الفضاء إلى يوم يبعثون، لقد كانت روسيا تعتبر اختراق الفضاء وبلوغ القمر سياحة عادية، حتى إنها كانت تنظّم بين الحين والآخر سفرات للرواد من الدول الصديقة والشقيقة والدول الطامحة للتحرر، وضمن إطار البرنامج الأممي، لرواد من أفغانستان ومنغوليا والهند وسوريا ودول شرق أوروبا والأعضاء السابقين لحلف وارسو، لكن اليوم هل طارت أحلام الروس في الفضاء الكوني، أم ما زالت واقعاً على الأرض؟ وغداً نكمل