تظل الجماهير هي أصل المعادلة، هي الكرة، وهي الهتاف والفرحة، وكل تلك المشاعر التي تشكل دراما «الساحرة المستديرة»، ورغم أهمية اللاعبين والمدربين والاتحادات واللجان وغيرهم، إلا أن هؤلاء جميعاً مكانهم المسرح، يتبارون من أجل أولئك الجالسين في المقاعد والشرفات، يتابعون عرضاً يجب أن يروق لهم، لأنه لو انفض السامر لن يصبح لشيء معنى.. الجماهير هي الأصل، وهي كل الحكاية.
ومع انطلاقة «دورينا»، أضاف التفاعل الجماهيري إثارة حقيقية، إلى ما تشهده المباريات من سخونة وصراع محموم منذ البداية، وكان طبيعياً أن يتصاعد هذا التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي بمختلف نوافذها، مجسداً حالة من الدعم لعشاق كل نادٍ على حدة، ومباريات جانبية عبر تلك النوافذ، ربما إيقاعها في بعض الأحيان أسرع من إيقاع المباريات ذاتها، وهو أمر طبيعي، مرده إلى التنوع الكبير لدى الجماهير، وأن المباراة على منصات التواصل ليست بين عشرين لاعباً وحارسين، لكنها بين عشرات الآلاف من اللاعبين وآلاف الحراس هنا وهناك.
ورغم أن ذلك مطلوب ومحفز من محفزات المنافسة، ورغم أن الانتقاد في صورته «المسؤولة» والداعمة أمر جيد، إلا أن التنوع الكبير وتصاعد الإثارة بين المناصرين والمناوئين، يتسبب أحياناً في الخروج عن النص، وقد يجعل من الأشقاء والأصدقاء فرقاء، متناسين أن المباراة تمضي، بل والدوري كله يمضي، وما بيننا لا يمضي ولا ينتهي، وقد تكلفنا انفعالات وقتية علاقات صنعناها على مدى سنوات، أو ربما تكلفنا خسائر ذاتية، لقيم تربينا عليها، ويجب أن نظل مرابطين عليها في كل الأوقات، ومن غير المنطقي أن نهدرها أو نفرط فيها من أجل الكرة.
هناك العديد من الضوابط التي تحكم العلاقة بين جميع أطراف اللعبة، وحتى مع اتساع فضاءات «السوشيال ميديا» وتنامي ظاهرة الإعلام الشخصي، للدرجة التي لا يمكن معها متابعة كل شاردة وواردة، إلا أن الأمر في النهاية لا يمكن أن يسير على هوى أحد، وهناك قواعد حاكمة، تنتصر للمجتمع وللقيم والأخلاق، لكننا بحاجة قبل الحديث عن الضوابط والقوانين، إلى تفعيل المسؤولية المجتمعية والذاتية، وأن ندرك يقيناً أن ما نفعله يُرَدُ إلينا، وأننا لسنا حجارة على رقعة شطرنج، لكننا مشاركون رئيسيون في رسم صورة لهذا الوطن، الذي يستحق منا أن نكون عنواناً بهياً له.. نعم نتنافس، ولا بأس بأن نضحك، وأن نحتفل، لكن السقوط إلى هاوية التجاذب والتشاحن والفرقة، يجب ألا يكون له مكان بيننا.
كلي ثقة في أن جماهير المدرجات ستظل الأكثر وعياً، فمجرد حضورها عنوان لهذا الوعي، لكن الخطر غالباً قادم من فخ «السوشيال ميديا»، والذي لا يمكن التحكم فيه، لا سيما وأن الانفعالات هي التي تقود رواده، وفي تلك الحالة، ليس أمامنا سوى أن نعول على فطرتنا، وهويتنا، ووحدها كفيلة بأن تنجينا من هذا الفخ.
كلمة أخيرة:
اكتُب ما تحب أن تقرأ.. ولوّن فضاءك بألوان تحب أن تراها