ينساب الماء خفيفاً عبر تعرجات الوادي، يبدأ بطيئاً في تدفقه، ثم يتسارع في الجريان، حاملاً معه كل شيء علق بذلك المجرى، ينظف مساره في رحلة السير التي لا تنتهي غير عند نهاية حاجز الوادي.
قبل أشهر، كان المكان مقفراً ويملؤه الطين وبقايا ما حملته الريح إلى ذلك المجرى وصخور كبيرة وصلبة أجبرت الماء أن يلتف حولها أو يصنع مساراً يتجاوز ذلك الحاجز، وعلى مدى الأيام التي انقطع فيها المطر، وتدفق ماء الوادي نبتت أعشاب وأشجار كثيرة في قلب الوادي وعلى حافته، نباتات منذور ألا يطول عمرها إلا عند انقطاع المطر والوادي من الجريان، جدلية جميلة وصورة للحياة، يتدفق الماء، يهدر السيل والوادي ويجرف كل شيء، يأخذ الأشجار والنباتات التي نمت ونهضت عالياً في الوادي، يمر الوادي سريعاً ويقتلعها ويأخذها معه في سيره المتعجِّل والمتدفق بسرعة كبيرة، يتوقف في نهاية المجرى أو السد.
يرتفع الماء حتى يفيض على جانب ذلك الأخدود، تمضي الأيام والشهور، يقل وينخفض الماء في الوادي ومجراه، تتبدل الفصول، يجف الماء وتهب رياح كثيرة، تحمل بذوراً كثيرة ترميها في مجرى الوادي، تنبت من جديد نباتات وأشجار هناك، حيث جف الماء، تنهض وتكبر، يخضر الوادي وتخرج بعض البذور أو الثمار وأزهار صغيرة، صفراء وحمراء وبيضاء، تستمر الحياة الجديدة في الوادي، إن طال غياب المطر والماء، فقد تصعد أشجار كبيرة تتحدى الماء والمجرى إن طال غيابه، وقد يتعذر عليه اقتلاعها.
دورة الحياة والفصول والزمن تعود من جديد، ينزل المطر، يتدفق الماء في الوادي، يقتلع النباتات وأشجاراً كثيرة، ولكنها تعود أيضاً، هكذا في دورة طبيعية ومستمرة منذ الأزل.
قبل فترة طويلة مررت بوادي حتا، كان جافاً ومجراه خال من قطرة ماء، لا شيء غير مسار يلفه الغبار ويقف في منتصف تعرجه بعض الصخور أو المحطات الصخرية والتي تجاوزها الوادي أو جريان الماء بالتفاف طوق تلك الصخور، ثم استمر في مجراه ومساره.
في تلك الفترة، لا يشجع المشهد أن تجلس على حافة الوادي، كما يحصل الآن في هذا الأسبوع، لم أستطع أن أمر من دُون أن أتوقَّف أمام الوادي ومنظر الماء الذي صعد في المجرى وشكّل لوحة جميلة، ناس كثر يتدفقون بفرح لحجز أماكن على حافة الوادي والجلوس ساعات طويلة في أمسيات سيدها الشواء والطعام والموسيقى، جاؤوا من مناطق بعيدة من مدن الساحل، بعضهم يعشق حياة التنقل في الأماكن الريفية والداخلية من بيئة الإمارات الجميلة، خاصة في هذه الفترة المثالية للرحلات والتخييم أو عشق الجبال والوديان وملاحقة نزول الأمطار ومجرى المياه في الوديان.
الجلوس على حافة الماء ومراقبة تدفقه وسيره ساعات طويلة، هل هو توحد بين ما يعنيه سير الماء وتجدده ورحيل الأمواج الخفيفة مع الريح في حركة دائمة ومستمرة؟ هل يمثل حياة الإنسان أيضاً، حيث إنها ماضية في مسار مستمر، ولا ينتهي غير بانتهاء المجرى والمصب وانقطاع المطر الذي يمثل انقطاع الروح عن الجسد، وحده الماء عشق أزلي للإنسان مثل حب الحياة.