شباب يقتنون «السلاح الأبيض» إثباتاً للرجولة وتأثراً بثقافة العنف
انتشر مؤخراً وبشكل لافت داخل المجتمع الإماراتي، ما يعرف بـ «السلاح الأبيض»، وأصبحت هناك فئات من الشباب يستخدمونه في تصفية مشاكلهم وخلافاتهم الشخصية، بشكل أصبح يمثل ظاهرة غريبة وطارئة على دولة الإمارات المعروفة بأنها أكثر دول العالم أمناً وأماناً، وقد بلغت هذه الظاهرة ذروتها العام الحالي مع صدور قرار بإعدام لاعب كرة إماراتي شهير إثر اتهامه وشقيقه بالاشتراك في جريمة قتل باستخدام السلاح الأبيض.
(أبوظبي) - على الرغم من وجود أشكال عديدة للسلاح الأبيض تبدأ من السكين العادي، والذي يباع في الأسواق بأسعار زهيدة، وتنتهي بالخناجر والسيوف التي يصل سعر بعض منها إلى 700 درهم، إلا أنه لا يوجد أي نوع من أنواع الرقابة على بيع هذه النوعية من الأسلحة الخطيرة، التي يشتريها البعض بحجة استخدامها في الصيد أو اقتناء شكل جمالي مميز لها، غير أنه يمكن استخدامها لأغراض أخرى في نفوس من يقدمون على الأفعال الشريرة.
خلل تربوي
يقول راشد المحيربي (28 سنة) إن وجود السلاح الأبيض في أيدي بعض الشباب يرجع إلى خلل في عملية التربية والتوجيه داخل المنزل، حيث يجب على الوالدين أن يحرصا على توعية أبنائهم بكل ما هو مفيد في الحياة والتنبيه عليهم بعدم استخدام الأشياء التي تسبب لهم أو لغيرهم الأذى، سواء كانت هذه الأشياء سلاحاً أبيض أو التدخين أو غيرها من السلوكيات غير المرغوبة، والتي تفتح أبواباً أخرى لفساد أكبر لا يعرف الوالدين كيفية معالجته فيما بعد.
ويلفت إلى أهمية دور المنزل في الرقابة على الأبناء، وضرورة المعرفة الجيدة بأخلاقيات أصدقائهم وتوجهاتهم، حتى لا يؤثروا سلباً على سلوكيات أبنائهم، وعندما يلاحظون أن من أصدقاء الأبناء يقومون بتصرفات وسلوكيات غير مقبولة، عليهم إبعادهم عنهم بأسلوب ذكي، لأن الوقاية في هذه الأحوال خير من العلاج، والوقاية المقصودة إبعاد الأبناء عن أصدقاء السوء، وبالتالي ينعدم أي تأثير لهذه النوعية السيئة من الأصدقاء.
من ناحيته، يذكر سلطان الشحي (34 سنة) أن من أهم أسباب وجود هذه السلوكيات الغريبة بين بعض الشباب الإماراتيين، هو حالة الانفتاح الاجتماعي الذي نعيشه داخل الإمارات، والذي يحمل قدرا من العيوب إلى جانب المزايا العديدة التي تتأتى من وراء الاختلاط الثقافي والحضاري. ويرى أن أفضل سبل التصدي لتلك الظاهرة يأتي من داخل المنزل والمدرسة، فالأهل يجب أن يحسنوا مراقبة أبنائهم ومتابعتهم لمعرفة أي تغير في سلوكياتهم أو ميول للعنف تظهر لهم، وكذا ضرورة معرفة مقتنياتهم ولو بشكل غير مباشر، حتى لو اضطر الوالدان لاستخدام الحيلة من اجل الاطمئنان على أي من أبنائهم في سنوات المراهقة والشباب لا يمتلك أيا من الأشياء التي تسبب الأذى له أو لغيره.
ويشير الشحي إلى مسألة مهمة تتعلق بميول بعض الشباب إلى الهوايات العنيفة مثل عمل التعديلات الخطيرة على السيارات، أو كثرة مشاهدة أفلام ومسابقات العنف. في هذه الحالة يؤكد الشحي على وجوب تدخل الأهل لمنع أبنائهم من الانسياق إلى مثل هذه الهوايات الغريبة، والتي قد تفضي بهم في نهاية الأمر إلى استسهال القيام بأي سلوكيات عنيفة وخطرة ومنها اقتناء السلاح الأبيض على سبيل الهواية، ثم استخدامه فيما بعد عند حدوث أي مشكلات أو نزاعات مع أصدقائهم الشباب.
إيذاء الغير
عامر حسين (23 سنة)، يدافع عن اقتناء مثل هذه الأسلحة، ويقول إنها بالفعل تتشكل بأشكال جميلة ومبهرة وتستحق الاقتناء، مثلها مثل سائر التحف الأخرى، التي قد يستخدمها البعض في الزينة أو الديكور، كما أن هناك بالفعل من يستخدم تلك الأسلحة في عمليات الصيد، وبالتالي يكون اقتناؤها خالياً من أي مشكلات، ولكن السلبيات تظهر مع سوء الاستخدام، مثل باقي الأشياء الموجودة في الحياة من حولنا، فالنار يمكن استخدامها في طهي الطعام، ويمكن استعمالها في إيذاء الغير، وينطبق الحال على كل المبتكرات والمخترعات التي توصل إليها البشر.
ويتابع «مع ذلك لا يجب على أي شخص اقتناء مثل هذه النوعية من الأسلحة، مثل الأشخاص العصبيين، والذين لا يتحكمون في انفعالاتهم، من الأصل لا ينبغي أن يمتلكوا أي نوع من الأسلحة أو الآلات الحادة، وهذا يكون فيه دور كبير على المحيطين به سواء من أهله أو أصدقائه، فعليهم توجيه النصح له بالابتعاد عن حمل واقتناء أشياء قد تضره أكثر مما تفيده».
وعن الرقابة المجتمعية، يقول عامر «ليس من المنطقي أن يتم تجريم بيع تلك الأسلحة، لأن من يبحث عن الشر سيجد ما يحتاجه في أي مكان وليس بالضرورة في السلاح الأبيض، وإنما يجب فقط على أن لا يتم بيع هذه الأسلحة إلا لمن هم بلغوا سن الرشد حتى نتيقن من أنها ستستعمل في أغراضها الصحيحة سواء للزينة أو للصيد».
أما منيرة المنصوري (27 سنة) فترفض وبشكل قاطع تواجد هذه الأسلحة في المحال والمراكز التجارية ليقتنيها من يريد دون ضابط أو رابط، وتقول «السلاح الأبيض يمثل خطرا قاتلا على الآخرين، ولذلك ينبغي عدم السماح ببيعه، إلا في ظل اشتراطات وقيود صارمة تضمن عدم وصوله إلى الشباب الصغار، خاصة أن الجرائم والمشاجرات العديدة التي نقرأ عنها في الصحف يوماً بعد يوم تؤكد الخطورة المتزايدة لشيوع استخدام السلاح الأبيض وسهولة الحصول عليه واستخدامه دون وجود رادع حقيقي، إلا بعد أن تحدث مشكلة كبيرة أو إصابة خطيرة قد تؤدي إلى وفاة شخص وإلقاء الآخر وراء القضبان».
تكرار المشاهد
من ناحيته، يعزو الدكتور أحمد العموش، أستاذ ورئيس قسم الاجتماع في جامعة الشارقة، وجود هذه الظاهرة إلى تفشي ثقافة العنف في الأعمال السينمائية والتليفزيونية، وأيضاً عبر شبكة الإنترنت، خاصة أن انتشار مشاهد العنف وتكرارها باستمرار أمام أعين الشباب والمراهقين يكسر الحاجز النفسي الطبيعي الموجود بينهم وبين كل ما يتعلق بالعنف، خاصة أن الشباب الإماراتي يعيش في مجتمع آمن إلى أقصى درجة، ودرجة الجريمة به من أقل معدلات الجريمة عالمياً، ولا يوجد ما يبرر لأي شخص اللجوء إلى العنف أو استخدام سلاح للدفاع عن النفس. ولكن الشباب الذين يلجأون إلى حمل تلك الأنواع من السلاح الأبيض أيا كان مظهرها، إنما يفعلون ذلك وراء أوهام أثبات الذات والهيبة والرجولة.
ويلفت العموش إلى أن حمل هذه الأسلحة ينذر بعواقب وخيمة على حاضر ومستقبل من يقوم بذلك، خاصة أن حالة الغضب التي قد تحدث لبعض الشباب في ظروف معينة، قد تجعله يلجأ إلى استعمال ما في حوزته من سلاح اقتناه من الأصل لغرض غير الاعتداء، مثل التباهي أو اعتباره قطعة فتية جميلة عبر المشغولات التي قد تعلو بعض أنواع تلك الأسلحة مثل السيوف والخناجر.
إلى ذلك، يوضح العموش أهمية دور المجتمع في عملية التوعية ممثلاً في وسائل الإعلام والمدارس والجامعات وغيرها من أماكن تجمعات الشباب، حيث يجب على كل تلك تنظيم حملات وبرامج توعوية توضح مخاطر حمل تلك الأسلحة، ودعوة الشباب إلى شغل أنفسهم بالأشياء المفيدة لهم من هوايات رياضية أو فنية تنمي فيهم العقول والأجسام، وتجعل منهم أشخاصاً صالحين لأنفسهم ومجتمعاتهم، داعيا إلى تشديد عقوبة كل من يحمل هذه النوعيات من الأسلحة فير غير مكانها الطبيعي، وعلى من يستخدمها في أغراض الصيد وما شابهها، أن يتم هذا الاستعمال وسط رقابة ووفقاً لقوانين معينة.
أما عن دور الأسرة فيري العموش أنه الأهم في منظومة الحفاظ على أمن وسلامة أبنائها، وحمايتهم من الاندفاع وراء الهوايات الخطرة، التي لا تحمل لهم سوى كل ما هو ضار وغير نافع، وعلى الأهل توضيح للأبناء مخاطر استخدام هذه الأسلحة والعقوبات التي يمكن أن تلحق بحاملها ومن يستخدمها بشكل خاطئ. ويشدد العموش على ضرورة إيجاد حملات إعلامية توعوية مكثفة في كل الأماكن التي تضم الشباب داخل الدولة من أندية ومدارس وجامعات، انطلاقاً من الدور الكبير الذي يقوم به الإعلام بما له من جاذبية في التأثير على كافة اتجاهات الرأي العام ومنهم الشباب، ومن ثم يستطيع توجيه الشباب إلى نبذ مثل هذه السلوكيات الغريبة على المجتمع الإماراتي.
سلاح غير ناري
السلاح الأبيض هو مصطلح يطلق على نوع من الأسلحة غير النارية التي تستخدم للدفاع عن النفس وأحيانا تكون أداة للقتل، ولا يعني الإشارة لها باللون، أي أنها محددة بلون معين، ولكن كلمة بيضاء تشير لنوعها فهذه الأسلحة هي مثل السكاكين والمطاوي والسنج والفأس والسيف والخنجر، وغيرها من أنواع الأدوات المستخدمة في الذبح، ولا تدخل فيها الأعيرة النارية، والرصاص. ويمنع حمل السلاح الأبيض في العديد من المرافق العامة دوليا كالمطارات والملاعب والمدارس والشوارع.