تقلصت أمس حدة التوترات على الساحة السياسية في السودان على نحو لافت عقب اجتماع واسع عقدته قوى المعارضة ليومين متتاليين لمناقشة الاتفاق الثنائي الذي أبرمه حزب الأمة القومي بزعامة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي مع الحكومة السودانية والتي اعتبرته المعارضة “تخاذلا من حزب الأمة عن مبدأ العمل الجماعي الذي توافقت عليه مع بقية أحزاب المعارضة”.وانتهي اجتماع تحالف أحزاب المعارضة الذي جاء هادئا على خلاف بدايته التي اتسمت بالحدة في النقاش وطرح الآراء ، لتعلن عن هدنة بين الحكومة والمعارضة التي وافقت على إرجاء خيار تحريك الشارع لإسقاط النظام واستبداله بمبدأ الحوار الجاد مع الحزب الحاكم بشأن القضايا الشائكة التي تمر بها البلاد. ورهنت المعارضة في بيان لها حوارها مع الحكومة بحزمة من المطالب بعضها لن يكون محل خلاف كمطلبها عقد مؤتمر دستوري كون الحكومة قد دعت المعارضة في وقت سابق للمشاركة في إعداد الدستور الدائم للبلاد عقب انفصال الجنوب، فيما ستكابد المعارضة كثيرا لإنزال مطالب أخرى من قبيل بند الحريات إلى أجندة العمل الرسمي في الدولة.وساد أوساط المعارضة أمس هدوء حذر و ترقب في انتظار رد الحكومة حول مطالبها التي أكدت أن التفاوض بشأنها مع الحكومة سيتم عبر فريق واحد تجمع عليه. وتتضمن مطالب المعارضة حسب ما جاء في بيانها “تهيئة المناخ السياسي وعقد مؤتمر دستوري وإطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم أمين عام حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي”، كما طالب بإلغاء الزيادات الأخيرة على أسعار السلع وحل أزمة دارفور بعيدا عن ما أسمته “النهج العسكري الأمني والسياسة الإقصائية” علاوة على “إلغاء قوانين النظام العام والقوانين المقيدة للحريات”، وإلغاء قانون النظام العام الذي “أذل وقهر النساء السودانيات”، ووضع آليات لإشراك القوى الوطنية في كافة القضايا الوطنية العامة، مؤكدا أهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ولاية جنوب كردفان، وأن يستمر التحالف في تعبئة الجماهير لإلغاء الزيادات جنبا إلى جنب مع ملف الحوار مع جزب المؤتمر الوطني. وأشار رئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق أبو عيسي في تصريح للصحفيين عقب الاجتماع إلى أن حوارهم مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم سيكون عبر لجنة تمثل التحالف، محذرا من “أن رفض مطالبنا يحتم المواجهة”.وكشف ابوعيسي عن سعي المعارضة لعقد مؤتمر شمالي جنوبي لتوطيد العلاقات بين الشمال والجنوب في المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن وفدا يمثلها سيصل إلى جوبا للتهنئة بالدولة الجديدة والتنسيق للمؤتمر. وفي المقابل أكد المؤتمر الوطني عزمه على توسيع مظلة الحوار الوطني لتشمل “الأحزاب الرئيسية” في المعارضة والتي حددها بـ(المؤتمر الشعبي والشيوعي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل)، للتباحث حول “احتياجات المرحلة المقبلة والتمهيد لمشاركتها في الحكومة (ذات القاعدة العريضة) التي وعد بها الرئيس عمر البشير”.وكشف عضو المكتب القيادي بحزب المؤتمر الوطني محمد مندور المهدي للصحفيين عن لقاء مرتقب بين حزبه و الحزب الاتحادي الديمقراطي”الأصل”.لكن مندور المهدي حرص ، في حوار منفصل مع قناة “الشروق” ، على الإشارة إلى أن حزبه يرفض الحوار مع من أسماهم “الساعين لتحريك الشارع ضد الحكومة”، معتبراً أن الحوار مع هؤلاء سيكون متعثراً، .ورفض مندور توصيف حوار المؤتمر الوطني مع الأحزاب بأنه تكتيك سياسي لإضعاف تحالف قوى المعارضة، معتبراً أنه “بداية لمرحلة جديدة بعد انفصال الجنوب تقوم على توحيد رؤى القوى السياسية بالدولة”.وقال إن حزبه “يسعى بنية صادقة للترتيب لما بعد الانفصال وتهيئة أجواء سلمية بالشمال من خلال توسيع قاعدة الحكم وتوحيد الرؤى مع القوى السياسية”. وبرر بدء الحوار بحزب الأمة بزعامة الصادق المهدي بأن حزبه لمس خلال الاجتماعات السابقة تعامل قياداته مع القضايا الوطنية بصدق وشفافية بعيداً عن المكايدات السياسية.لكنه عاد لينفي أن يكون الحوار حصرياً على حزب الأمة، قائلاً إن الحزب ابتدر سلسلة اتصالات مع عدة أحزاب سياسية.وأضاف مندور أن حزبه ركز على الأحزاب التي توائمه في الفكر، مؤكداً أن الاجتماع مع “الاتحادي الأصل” اقترب، فيما شكك في قبول المؤتمر الشعبي للخطوة بسبب اعتقال زعيمه حسن الترابي. وأكد أن المؤتمر الوطني استطاع أن يكسب ثقة الشعب وهو يدرك تماماً بأنه راضٍ عن سياساته، وزاد: “نتجول في الشوارع والأسواق دون حراسة ونشارك في المناسبات العامة “لأننا نأمن شعبنا وندرك أنه مقتنع بوجودنا”. وأكد أن عدم احتجاج الشارع على زيادة الأسعار خلافاً لتوقعات الحكومة نفسها جعلت قياداتها مطمئنة لوعي الشعب السوداني بما يدور من حوله، وأنه مدرك للأسباب الموضوعية التي دفعت الحكومة لذلك، قائلاً: “لا أحسب إن حكومة راشدة تتعمد الضغط على مواطنيها إن لم تكن هناك ضرورة”.وقال إن مزاج الشعب السوداني وفاقي وتسامحي، وزاد: “لا أتوقع انتفاضة والإنقاذ محروسة بالمشاعر الصادقة للشعب وخير برهان الفوز الكاسح لحزب المؤتمر الوطني في الانتخابات”. واعتبر القيادي بالمؤتمر الوطني أن مطالبة القوى السياسية بتعديل الدستور أمر غير منطقي خلال الفترة الحالية لكنه عاد ليؤكد أن تعديل الدستور بعد الانفصال أمر ضروري تتطلبه المرحلة وستشارك جميع القوى السياسية في إعداده. وأكد أن المؤتمر الوطني ينظر حالياً في الأمر ويسعى لإشراك القوى السياسية في المناقشات بشأن الدستور القادم، وقال: “بعد إبعاد ما يخص الجنوب من الدستور يجب أن تحدث معالجات فيه”، لكن مندور لم يوضح طبيعة تلك المعالجات