بريدة بن الحصيب من كتبة الوحي وممن شهد لهم الرسول بالصلاح
بريدة بن الحصيب من كبار الصحابة واجتمعت فيه خصال الخير والورع والتقوى والحرص على الإسلام، وكان فارسا شجاعا ومن الأمراء الفاتحين .
وقال الدكتور محمود الضبع أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس، هو بريدة بن الحصيب بن عبدالله بن الحارث الأسلمي، وكنيته أبو عبدالله، وقيل: أبو الحصيب، وأبو ساسان، وقد أسلم حين مر به النبي صلى الله عليه وسلم، مهاجراً إلى المدينة عند كراع الغميم، وقيل بالضميم، مكان على حدود مكة، هو ومن معه، وكانوا نحو ثمانين بيتا، فصلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، العشاء فصلوا خلفه، وعلمه صدرا من سورة مريم، وأقام بأرض قومه حتى مضت بدر وأحد، ثم قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك، وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي عليه الصلاة والسلام- كان يتفاءل ولا يتطير، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقي النبي -صلى الله عليه وسلم فقال له: «من أنت»، قال أنا بريدة، فالتفت عليه الصلاة والسلام إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: «يا أبا بكر برد أمرنا وصلح»، ثم قال لي: «ممن أنت»، فقلت من أسلم، قال لأبي بكر: «سلمنا»، قال: ثم قال: «من بني من»، قلت: من بني سهم قال:«خرج سهمك».
الهجرة إلى المدينة
وأضاف: لزم الرسول صلى الله عليه وسلم، منذ هجرته إلى المدينة وشهد الغزوات والمشاهد كلها، وشهد الحديبية، وبيعة الرضوان تحت الشجرة، وخيبر، وأبلى فيها بلاء حسنا، وكان معه لواء أسلم يوم فتح مكة، وفي الصحيحين عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ست عشرة غزوة.
وأشار أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس إلى أنه عرف بالورع والتقوى والجود والكرم والاجتهاد في العبادة والشجاعة وحب الجهاد فى سبيل الله، ومراقبته لنفسه.
وأوضح أنه بريدة شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم له بالصلاح والخير، وكان أحد الذين استعملهم عليه الصلاة والسلام على الصدقة، وكتابة الكتب والعهود والمعاملات بين الناس، وعد من كتبة الوحي القرآني، وجاء بكتب السيرة عن الصديق أنه قال: يا رسول، نعم الرجل بريدة لقومه، عظيم البركة عليهم، مررنا به ليلة مررنا ونحن مهاجرون إلى المدينة فأسلم معه من قومه من أسلم. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«نعم الرجل بريدة لقومه وعز قومه. إن خير القوم من كان مدافعا عن قومه ما لم يأثم فإن الإثم لا خير فيه».
وقال إنه في احدى الغزوات بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلم خبر بني المصطلق من خزاعة، وأن رأسهم وسيدهم الحارث بن ضرار، قد سار في قومه ودعاهم، ومن قدر عليه من العرب، إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع بريدة إلى رسول الله وأخبره عن صحة ذلك، فندبه إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأسرعوا الخروج، ومعهم بريدة، وانتصر الرسول- عليه الصلاة والسلام- في هذه المعركة، وروى محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال أمر رسول الله بأسارى غزوة المريسيع فكتفوا وجعلوا ناحية واستعمل بريدة بن الحصيب عليهم. وأكد أنه لمناقبه الكثيرة بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم حين أراد غزوة تبوك إلى أسلم يستفزهم إلى عدوهم، كما استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم، عينا له على مرو، وروى عبدالله بن بريدة عن أبيه أن النبي، عليه الصلاة والسلام، قال له وللحكم بن عمرو الغفاري:«أنتما عينان لأهل المشرق، وبكما يحشر أهل المشرق»، وفي حديث آخر قال له: «يا بريدة إنه لا يكل بصرك، ولا يذهب سمعك، أنت نور لأهل المشرق».
مراقبة الله
وإثر وفاة الرسول-صلى الله عليه وسلم- حمل لواء الأمير أسامة بن زيد حين غزا أرض البلقاء، وكان احد الأمراء الذين استعملهم عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- في نوبة سرغ -موضع في أول الحجاز وآخر الشام- ولما فتحت البصرة ابتنى فيها دارا وسكنها، وخرج منها غازيا إلى خراسان زمن سيدنا عثمان -رضي الله عنه- وكان يقول: لا عيش إلا طراد الخيل للخيل. وبعد جهاد طويل استقر في مدينة مرو بخراسان، وقال عنه الذهبي انه: عالم فقيه، علم أهل مرو أمور دينهم، وفقههم فيه.
وتميز بمراقبته لله تعالى وحرصه على نصح الولاة والأئمة، ويروى أن عبدالملك بن مروان كان يجالسه يوما قبل خلافته فقال له: يا عبدالملك إن فيك خصالا وانك لجدير أن تلي أمر هذه الأمة فاحذر الدماء، فإني سمعت رسول الله يقول: «إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق». روى عن الرسول-صلى الله عليه وسلم- وقدر الذهبي أحاديثه بمئة وخمسين حديثا، وذكر الزركلي، أنها مئة وسبعة وستون حديثا، وروى عنه ابناه عبدالله وسليمان وعبدالله بن أوس الخزاعي والشعبي والمليح بن أسامة وغيرهم. وتوفى -رحمه الله- في خلافة يزيد بن معاوية. قال ابن سعد: مات سنة ثلاث وستين بمرو بخراسان.
المصدر: القاهرة