خفض الفوائد على جميع الأوعية الادخارية في مصر
(القاهرة) - بدأ العديد من البنوك المصرية في اتخاذ التدابير اللازمة لخفض أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية 3 و 5 سنوات، اعتباراً من مطلع أكتوبر الجاري. ويأتي هذا التوجه الجديد للبنوك المصرية كرد فعل لخفض أسعار العائد على أذون الخزانة التي كان يطرحها البنك المركزي لحساب وزارة المالية من 16 إلى 15%، الأمر الذي ترتب عليه رسالة للبنوك مفادها ضرورة خفض العائد على كافة اشكال الاوعية الادخارية لاسيما طويلة الأجل بالمعدل نفسه.
ومن المنتظر أن تتراجع أسعار العائد على الشهادات الادخارية ذات 3 و5 سنوات من 11,5%- حسب اسعار العائد في البنك الاهلي وبنك مصر، وعدد آخر من البنوك الاستثمارية - إلى نحو 10,25% أو 10,5% تحسبا لحدوث المزيد من الانخفاض في اسعار العائد، لاسيما وأن البنوك لا تنتظر اجتماعا مرتقبا للجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، وهو الذي سيحدد اتجاهات اسعار الفائدة خلال المرحلة المقبلة. وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد” فإن تراجع اسعار العائد على اذون الخزانة مؤخرا يعود إلى سياسة جديدة بدأت تبعها وزارة المالية بخفض الاعتماد على هذه الأذون في تمويل عجز الموازنة لمنع تفاقم أزمة الدين الداخلي وارتفاع تكلفته، والاعتماد على الاقتراض الخارجي لاسيما من المؤسسات المالية الإقليمية، وفي مقدمتها صندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية وبنك التنمية الافريقي، لاسيما بعد أن نجحت الحكومة المصرية في عقد عدد من اتفاقيات التمويل بعائد منخفض مع هذه المؤسسات.
أما العامل الثاني الذي لعب دورا في خفض اسعار العائد على اذون الخزانة، فهو توافر قدر كبير من السيولة لدى عدد من البنوك العاملة في السوق والتي لا تجد طريقها إلى التوظيف الامثل بسبب ضيق مناخ الاستثمار في الفترة الراهنة، الأمر الذي دعا هذه البنوك إلى التكالب على شراء أذون الخزانة الحكومية باعتبارها أداة توظيف مضمونة لاموالها وذات عائد مرتفع في نفس الوقت، ومن ثم ترتب على تدفق عروض البنوك وكثرتها قيام وزارة المالية بخفض العائد بنسبة 1% خلال عمليات الاكتتاب التي تمت في النصف الثاني من شهر سبتمبر الماضي. ويتوقع رؤساء بنوك ان تتجاوز معدلات التراجع في أسعار العائد على الودائع بالبنوك، وكذلك على شهادات الادخار والاستثمار المختلفة 1% لتصل إلى 2% ليهبط هذا العائد تحت سقف العشرة بالمئة لأول مرة منذ نحو أكثر من عامين، ما يمثل مأزقا شديدا لأصحاب الودائع لاسيما الذين يعتمدون على عائد ودائعهم لتدبير نفقاتهم المعيشية من كبار السن واصحاب المعاشات، والذين فقدوا أعمالهم بعد الثورة وكان لديهم بعض المدخرات البنكية.
ويؤكد رؤساء البنوك أن هذه الخطوة سوف تمثل مشكلة في ذات الوقت لهذه البنوك التي ستجد نفسها مطالبة بالبحث عن فرص لتوظيف اموالها بعائد مقبول في سوق لا تزال فرص الاستثمار فيها محدودة ولا يقبل القطاع الخاص على الاقتراض من البنوك في هذه المرحلة الضبابية، ما يترتب عليه تراجع معدلات الارباح في البنوك خلال العام المالي الجاري، وسوف ينعكس ذلك سلبا على مستويات اسعار اسهم البنوك المتداولة في بورصة الاوراق المالية.
ويشير محللون إلى أن خطوة خفض اسعار العائد على الودائع بالبنوك سوف يترتب عليها مشكلات اجتماعية واقتصادية، حيث ستسهم في تعميق الركود والانكماش على مستوى الاقتصاد الكلي ولن يستفيد قطاع الاستثمار من هذه الخطوة، باعتبارها وسيلة لخفض تكلفة التمويل لأن هذا القطاع غير مؤهل في الوقت الحالي للاستفادة من هذه الخطوة، بعد ان توقفت توسعات المشروعات القائمة واحجم الكثيرون عن تنفيذ مشروعات جديدة انتظارا لمزيد من الاستقرار السياسي بالبلاد وحسم بعض القضايا التشريعية المعلقة، خاصة التوجه الضريبي للحكومة الحالية وانهاء المنازعات مع بعض المستثمرين حول الاراض التي سبق لهم الحصول عليها في ظل النظام السياسي السابق خصوصا المستثمرين العرب لأن هذه المنازعات لاتزال تلقي بآثار سلبية على مناخ الاستثمار والتدفق الاستثماري الخارجي على البلاد.
ويعتزم البنك المركزي المصري انتهاج سياسة هادفة لخفض تدريجي لأسعار العائد على كافة انواع الودائع بالبنوك على مدار الشهور القادمة، بهدف إفساح الطريق امام اجراءات حكومية أخرى تستهدف انعاش مناخ الاستثمار، عبر تحفيز القطاع الخاص والجهاز المصرفي على ضخ قروض جديدة لاستكمال مشروعات متوقعة منذ اندلاع الثورة، وأدى توقفها الى تراجع معدل النمو العام بالبلاد، وتعريض الشركات المالكة لهذه المشروعات للتعثر.
كما تستهدف هذه الاجراءات مساندة البورصة في المرحلة القادمة بعد أن أبدت قدرة على الصمود، واستعادت قوتها على مدار شهري اغسطس وسبتمبر، حيث اقترب مؤشر “ايجي إكس -30” الأكثر تعبيرا عن حالة السوق من حاجز خمسة آلاف نقطة، بعد أن كان قد هبط دون مستوى اربعة آلاف نقطة قبل شهور قليلة وذلك بتحفيز اصحاب المدخرات على الخروج من البنوك تحت وطأة تراجع العائد والتوجه بهذه المدخرات إلى البورصة بحثا عن عائد أفضل، ما يسهم في توفير سيولة لسوق الاوراق المالية تعزز من صعود السوق وتساند تماسكها وتمنع تعرضها لانتكاسة أخرى نتيجة مستجدات سياسية أو اقتصادية تمر بها البلاد.
وتشير دوائر مصرفية إلى أن بنوك الاستثمار وفروع البنوك الاجنبية هي التي ستبادر لقيادة السوق نحو خفض مثالي لأسعار العائد على الودائع، لاسيما أن بعض هذه البنوك دخل منافسة حادة مع بنوك القطاع العام على اجتذاب قواعد الايداعات في الفترة الاخيرة، واضطر من أجل تحقيق هذا الهدف إلى رفع العائد على الشهادات الادخارية الطويلة الاجل بمعدلات غير مسبوقة حتى تجاوز هذا المعدل 12 بالمئة في بعض الانواع. وتشير الدوائر إلى ان التراجع في معدل العائد سوف يكون اسرع في هذه البنوك لأن عوامل الربحية هي التي تحدد استراتيجيات الاستثمار في هذه البنوك.
ويقول محمد كفافي، رئيس بنك القاهرة السابق، إن هناك اتجاهاً قوياً داخل الجهاز المصرفي لخفض اسعار الفائدة على كافة اشكال الودائع خاصة شهادات الاستثمار الطويلة الاجل على ضوء العديد من المستجدات التي يمر بها الاقتصاد الكلي في هذه المرحلة وفي مقدمتها التباطؤ الشديد، وظهور مخاوف من حدوث انكماش حاد وتوقف عمليات الإنتاج والتصدير، ومن ثم كان لابد من اتخاذ تدابير لكسر هذه الحالة والتصدي لها قبل ان تتفاقم، وكان من الضروري ان يبادر القطاع المصرفي بتحمل مسؤولية هذه الإجراءات، خاصة انها تزامنت مع فقدان اذون الخزانة والاستثمار فيها مزاياها التقليدية، وهي العائد المرتفع. ويضيف ان ما سوف يحدث في المرحلة المقبلة هو أن كل بنك سوف يتخذ القرار المناسب وفقا لظروفه، وأن هذا القرار سوف يخضع للعديد من العوامل الفنية التي تشمل حجم قاعدة الايداعات المتاحة لديه وانواع الودائع وسياساته التوظيفية واستراتيجية الاستثمار الخاص به، إلى جانب طبيعية وحجم محفظة التمويل لديه والعملاء المستهدفين في المرحلة المقبلة. وقال إن ذلك يعني ان ثمة مساحة من هامش الحركة والمرونة سوف تظل متاحة للبنوك، وهو هامش قد يفيد بعض اصحاب الودائع الذين سيجدون ان لديهم امكانية نقل ودائعهم من بنك لآخر بحثا عن العائد الأفضل، وبالتالي سوف تكون النتيجة حدوث حركة كبيرة وملموسة للاموال داخل وحدات القطاع المصرفي في الأشهر القادمة. وتوقع كفافي ان تؤدي هذه الاجراءات الى خروج جانب من ودائع البنوك من الجهاز المصرفي إلى بعض أدوات الاستثمار الاخرى، وفي مقدمتها الاستثمار العقاري الذي بدأ يتعافى نسبيا في الفترة الاخيرة، ويخرج من حالة الركود التي كان يمر بها لاسيما ان الاستثمار العقاري يظل جاذباً لمن يمتلكون فائضاً من الاموال.