(روما) - نواصل اليوم في الحلقة الثانية من هذه السلسلة، عرض التجارب التي حققت نجاحات واسعة في مجال الأكاديميات وقطاعات الناشئين عن طريق إلقاء الضوء على التجربتين الإيطالية والهولندية. ونستعرض خلالهما تجارب الأكاديميات الإيطالية الناجحة وعلى رأسها أكاديمية ميلان، بخلاف عرض لأبرز ما تقوم عليه تلك الأكاديميات من مفاهيم، مروراً بعرض التجربة الهولندية التي لها خصوصيتها من حيث الاهتمام بإعداد النشء وتصدير المواهب لبقية الدوريات الأوروبية. وتعد أكاديميات كرة القدم وقطاعات الناشئين هي “الأساس” وكلمة السر التي تفتأ إليها ذهن أباطرة اللعبة في الدوريات الأوروبية على وجه التحديد، فتحولت عندهم إلى “نعمة“، أوبالمفاهيم التجارية هي لديهم بمثابة “منجم ذهب” للأندية والمنتخبات، أما عندنا فتحولت النعمة إلى “نقمة” لغياب مفاهيم تتعلق بكيفية تطوير وبناء لاعب كرة قدم من الناشئين، ليقدم مؤهلاً بالكامل للفريق الأول، فباتت تلك المرحلة عبئا ثقيلا على كاهل ادارات الأندية في معظم دوريات منطقتنا، بعدما قضينا عشرات السنين نمارس اللعبة ونوليها الاهتمام على مستوى الفرق الأولى متناسين أن “البناء القوي يبدأ بالقاعدة المتينة”. ولا يخفى على أحد “الأكاديميات وقطاعات الناشئين” عانت ولا تزال في وطننا العربي لغياب التخطيط السليم والرؤية المستقبلية. وبما أن الساحة الرياضية في مختلف دول المنطقة من المحيط إلى الخليج، تشهد حركات رياضية مختلفة تسعى كلا منها للبحث عن مكان تنطلق منه إلى الاحتراف الحقيقي في عالم الساحرة المستديرة. فبات من المناسب أن نبصرها بما غفلت هي عنه، وهو إهمال قطاعات الناشئين والإعداد السليم للاعبيها الصغار، وفطنت إليه العقلية الأوروبية المحترفة، وفي ذات الوقت نسعى لمحاولة اكتشاف بواعث نجاحاتهم، ومسببات فشلنا، للإجابة على سؤال يتعلق بكيفية تقديم لاعب كرة قدم قادر على مقارعة نظيره بأي دوري آخر في العالم. وتشهد الساحة الرياضية الإيطالية لغط الحديث عن ضرورة القيام بثورة على الأوضاع القائمة وتغيير العقلية العتيقة التي أثرت على جودة الأزوري، بعدما اعتزل معظم نجومه وبات العثور على نجوم شباب قادرين على الأداء بقوة وفاعلية أمراً شاقاً اشتكى منه برانديلي مدرب المنتخب الإيطالي نفسه، كما تتعالى الأصوات التي تطالب بضرورة ادخال العناصر الشابة للفرق الأولى. وتهتم الأندية الإيطالية بتدريب لاعبيها الصغار وتنشئتهم بشكل مميز للغاية فهي تركز على الأداء التكتيكي والقوة البدنية، والمهارية، إلا أن الغالبية العظمى من تلك الأندية تتجه للمتاجرة في اللاعبين الشباب عبر بيعهم لأندية خارجية، لاسيما بعد يأس هؤلاء اللاعبين من ندرة حصولهم على الفرصة فيتجهون لدوريات أقل مستوى أو يتوجهون للعب بأندية الدرجتين الثانية والثالثة وبالتالي، يغيب النجوم الجدد. وعلى الرغم من النظم التدريبية المميزة بإيطاليا إلا أن تراجع مستوى البنية التحتية وعدم امتلاك الأندية لملاعب وبالتالي للأكاديميات المميزة مقارنة بألمانيا وإسبانيا وإنجلترا أو هولندا يعتبر معضلة لدى الكرة الإيطالية تسعى الرابطة والاتحاد الإيطالي لعلاجها. تراجع للخلف في هذه الفترة التاريخية علينا أن نعترف بأننا نتراجع للوراء، والفوز بمونديال 2006 قد لا يتكرر لمنتخب كان يعتمد على “عواجيز” لأن الأندية أغفلت الاهتمام بالشباب والناشئين. بهذه الكلمات لخص ماورسيمو بيريتا الرئيس التنفيذي لرابطة الأندية المحترفة “الليجا كالشيو” ما تعانيه كرة القدم الإيطالية التي لم تهتم بالشكل الكافي بمواهبها القادمة من قطاعات الناشئين والشباب، مقارنة بما يحدث في ألمانيا. وقال بيريتا خلال زيارة “الاتحاد” لمقر “الليجا كالشيو” في روما “نحن نتراجع إلى الوراء لأن الأندية لسنوات تجاهلت قطاع الشباب وفضلت الاعتماد على اللاعبين الأجانب الذين يكلفون أكثر من غيرهم، وأضاف: الأندية الكبرى تملك الحق لتجد المواهب في كل مكان، وبلا شك نحن نحتاج إلى التغيير والثورة على كافة الأمور القائمة حتى لا يضيع جهد اعداد المواهب القائم في قطاعات الناشئين والأكاديميات”. وتابع: هناك تعاون كبير بين رابطة الأندية المحترفية الإيطالية واتحاد الكرة من أجل الوصول لصيغة معينة تفرض خريجي الأكاديميات ومدارس الكرة وقطاعات الناشئين على الفرق الأولى وفي المقابل تقليص عدد اللاعبين الأجانب ويكفي أن هناك أندية حالية بالدوري الإيطالي تلعب بتشكيلتها الأساسية بالكامل من الأجانب”. أفضل نظم تدريب ونفى بيريتا أن يعني ذلك غياب الإعداد الجيد للمواهب وقال “لدينا في إيطاليا أفضل نظام تدريبي وأفضل مدربين يعملون بمختلف قطاعات الناشئين والشباب بالأندية الكثيرة والمنتشرة، وكذلك لدينا لاعبين موهوبين سواء من اللاعبين الطليان أو من أبناء الجاليات المقيمة في إيطاليا والتي حصلت على الجنسية وأبرز مثال اللاعب بالوتيللي ذو الأصول الأفريقية ولكنه بات لاعباً إيطاليا، وهناك المئات غيره متواجدون حالياً وينتظرون فرصة، ربما لا يجدونها لاعتماد أغلب الأندية على اللاعبين الأجانب، لذلك يمكننا أن نقول إن إيطاليا تنفق على إعداد مواهب وتهتم بقطاعات ناشئين ولكن لا تستفيد بهم أنديتها أو منتخبها ولكن تستفيد منها أندية أوروبية أخرى”. وتابع: “الاتحاد الأوروبي يسعى لحل أزمة كثرة الأجانب في الدوريات الأوروبية بفرض تصعيد عدد معين من اللاعبين الشباب للفرق الأولى، وهو النموذج الذي نجحت ألمانيا في تطبيقه وأعتقد ان الدوري الألماني نجح إلى حد بعيد في مشروعه الذي يعتمد على لاعبين بدعم الاتحاد ويجب أن نرسم لنا طريقاً لنتبعه ونفكر بأننا سنجد ظاهرة في يوم ما، نحتاج لمشروع جدي”. وانتقد بيريتا الأندية المتوسطة والصغيرة بالدوري الإيطالي سواء السيريا إيه أو بي، وقال “تلك الأندية وإداراتها أصبحت لا تهتم سوى بالمال والعائد الأعلى لبيع نجومها، وأصبحت ترى في الأندية الإنجليزية والإسبانية الهدف لبيعهم، وهنا يتراجع مستوى اللاعبين كثيراً لأن لاعب الآزوري هو لاعب الكالتشيو وليس لاعب الليجا أو البريمرليج وهذا أمر تاريخي بطبيعة الحال، كما أن تلك الأندية تقف عائقا أمام كل ناد كبير يرغب في ضم أحد نجومها، هذا بخلاف اتجاه تلك الأندية أيضاً للاستثمار في اللاعبين الأجانب”. الاعتماد على المخضرمين ولفت مارويسيمو بيريتا إلى ظاهرة تسيطر على الدوري الإيطالي تتعلق باعتماد أغلب الأندية على اللاعبين المخضرمين أصحاب الخبرة “العواجيز”، مقابل ندرة الاعتماد على الشباب رغم وفرتهم في أكاديميات الكرة وقطاعات الناشئين الخاصة بها، ما دفع المواهب الشابة الإيطالية إلى البحث عن فرص خارج الدوري الإيطالي للظهور واثبات النفس وربما تجربة ماكيدا أو جوسيبي روسي خير مثال عن هجرة المواهب الشابة التي لم تلق اي دعم أو اهتمام من قبل الأندية الكبيرة بسبب عقلية إدارات هذه الأندية أو مدربيها حيث دوماً التوجه أما الى اللاعب المخضرم أو اللاعب. وتابع: “إيطاليا كانت دوماً تذخر بالمواهب وحققت الأندية إنجازاتها بلاعبين إيطاليين مع بعض التطعيم من الجنسيات الآخرى، ولكن هذه السياسة تحولت للعكس حيث أصبحت الأندية هي مجموعة لاعبين من جنسيات مختلفة مع بعض التطعيم بلاعبين إيطالين (من اللاعبين المخضرمين)، ما أدى لشح المواهب الإيطالية، لذلك فنحن لن نرى توتي جديد أو باجيو جديد ما لم نقم بثورة تصحيح حتى لا تهدر مواهب قطاعات الناشئين والتي يتم الصرف عليها واعداداها بشكل جيد.