دعوة دمشق والمعارضة إلى حوار في «الجامعة» خلال 15 يوماً
قرر مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماعه الطارئ في القاهرة مساء أمس، إجراء الاتصالات اللازمة مع الحكومة السورية وأطراف المعارضة بجميع أطيافها لعقد مؤتمر حوار وطني شامل تحت مظلة الجامعة العربية في القاهرة خلال 15 يوما، من أجل تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري والتغيير المنشود.
وجدد المجلس في قرار صدر بإجماع الأعضاء وتحفظ المندوب السوري يوسف أحمد، التأكيد على الموقف العربي المطالب بالوقف الفوري والشامل لأعمال العنف والقتل في سوريا ووضع حد للمظاهر المسلحة والتخلي عن المعالجة الأمنية، تفاديا لسقوط المزيد من الضحايا والانجراف نحو اندلاع صراع بين مكونات الشعب وحفاظا على السلم الأهلي وحماية المدنيين ووحدة نسيج المجتمع السوري.
وقرر المجلس تشكيل لجنة عربية وزارية برئاسة رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وعضوية كل من وزراء خارجية الجزائر والسودان وسلطنة عمان ومصر والأمين العام للجامعة نبيل العربي، تكون مهمتها الاتصال بالقيادة السورية لوقف كافة أعمال العنف والاقتتال ورفع كل المظاهر العسكرية وبدء الحوار بين الحكومة السورية وأطراف المعارضة لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي تلبي طموحات الشعب السوري، وتقديم تقرير إلى المجلس في اقرب وقت ممكن، يتضمن تقييما دقيقا للوضع في سوريا واقتراح خطوات التحرك المطلوبة لاحقا، بما في ذلك ما يلزم لضمان أمن الشعب، كما قرر إبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة الموقف وتطوراته.
وترأس وفد الدولة في الاجتماع، معالي الدكتور أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، الذي كان شارك أيضا في الاجتماع التشاوري الذي حضره العربي ووزراء الخارجية وممثلون عن جميع الدول العربية باستثناء سوريا، وناقش سبل تنسيق المواقف والرؤى لاتخاذ موقف عربي موحد قبيل بدء الاجتماع الطارئ الذي غاب عنه وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
وكان الاجتماع شهد بداية ساخنة تمثلت بإطلاق المندوب السوري لدى الجامعة اتهامات عنيفة لبعض الأجهزة الإعلامية العربية بالتحريض وتحريف الحقائق وتجاهل الاعتراف بوجود ما وصفه بـ”مجموعات إرهابية مسلحة” تعمل على إثارة الفتنة في سوريا، وقال “إن توقيت الدعوة للاجتماع غريب ومريب، نرجو ألا يكون مرتبطا بفشل تحرك الولايات المتحدة وأوروبا ضد سوريا في مجلس الأمن، وإن كنا نظن ذلك”. داعيا الدول العربية للانحياز إلى موقف روسيا والصين اللتين واجهتا التحرك الأميركي الأوروبي بكل شجاعة وحكمة و”ألا تكون مطية لأجندات أميركية وغربية”، ومرحبا بإرسال وفد من الجامعة للمشاركة في جلسات الحوار الوطني على الأرض السورية.
واتهم المندوب السوري أطرافا في مجلس الجامعة بالقيام بممارسات غير شفافة، وقال “إن هناك محاولات لاستغلال الأزمة السورية لتصفية القضية الفلسطينية وطرح مفاهيم خطيرة تكرس الانشقاق والتشرذم”، محذرا من عواقب ذلك. وأضاف “أنه لا بد من إدراك أن الأزمات العربية لا يجب أن تكون وسيلة لخدمة أجندات وضعها البعض في الخارج”.
وسارع رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الدورة الحالية للمجلس، إلى الرد على السفير السوري قائلا “إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم تطلب عقد الاجتماع تحت أي أجندة أو إملاءات خارجية، وإنما حرصا على سوريا وشعب سوريا، ولسنا مطية بيد أحد”.
وكان ابن جاسم أكد في كلمته أمام الاجتماع أن استمرار الأزمة يضع الجامعة العربية ومصداقيتها على المحك، وداعيا إلى ضرورة اتخاذ قرار مناسب بشأن الأزمة. وأضاف “إننا نعقد الاجتماع في ظروف حزينة مأساوية بالغة الدقة؛ نظرا لاستمرار عمليات القتل والعنف التي تتطور بصورة خطيرة في ظل عدم وجود بارقة أمل للوصول لحل هذه المشكلة”. مشيرا إلى أن استمرار الوضع يحتم المساهمة في حل الأزمة واتخاذ كافة الإجراءات لوقف العنف وإراقة الدماء.
وكان الأمين العام للجامعة نفى التوصل إلى قرار بتجميد عضوية سوريا، وقال “إن لقاء وزراء الخارجية العرب في مقر إقامة الشيخ حمد بن جاسم قبيل بدء الاجتماع الطارئ للمجلس الوزاري لم يتوصل إلى قرار بشأن تجميد العضوية”.
وأكد العربي في كلمته أمام الاجتماع “أن تداعيات الأزمة في سوريا تؤثر على المنطقة كلها، إذ إنها تشكل واحدة من أشد الأزمات التي تؤثر على العالم العربي”، واصفا الموقف في سوريا بأنه خطير يتطلب وقفا فوريا للقتل والعنف، وداعيا المجلس المجلس للقيام بدور لمساعدة سوريا في الخروج من المأزق الراهن في إطار حل عربي خالص.
وأشار العربي إلى نقاط تمثل منطلقات أساسية لمعالجة الأزمة تتمثل في ضرورة عدم السكوت على أعمال القتل في سوريا، وأن الجامعة عليها مسؤوليات كبرى إزاء الأزمة وهي الأوْلى بالمبادرة والتحرك من أجل التوصل إلى حل عادل يحقق تطلعات الشعب السوري ويحميه ويحافظ على أمنه، إلى جانب ضرورة توقف كافة أشكال العنف والقتل مهما كان مصدرها.
وأوضح العربي أن زيارته الأخيرة إلى سوريا جاءت من منطلق مسؤوليات الجامعة العربية الأخلاقية والسياسية للبحث فيما يمكن أن تقوم به الجامعة لمعالجة الأزمة والعمل على إطلاق حوار شامل يفضي إلى حل، وقال إنه تلقى اتصالا من شيخ الأزهر أحمد الطيب أكد خلاله أن الأزهر يتمنى وقف العنف في سوريا، بما يحفظ أمن واستقرار الشعب السوري”.
وقال مصدر دبلوماسي “إن الوزراء سعوا إلى تنسيق المواقف ووجهات النظر للتوصل إلى موقف موحد يتعلق بالوضع في سوريا، حيث أيدوا وضع حد لإراقة الدماء، لكنهم اختلفوا حول سبل ضمان ذلك”. وأضاف “أنه تمت مناقشة تعليق عضوية سوريا والاعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض، لكن غالبية الوزراء اعتبروا أنه من الضروري إعطاء فرصة لمحاولات الأمين العام للجامعة تأمين تنفيذ الإصلاحات الضرورية في أسرع وقت في سوريا، كما أجمعوا على رفض أي تدخل أجنبي”.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مندوب في الجامعة قوله “إن الوزراء يعتزمون مطالبة الحكومة السورية بجدول زمني لسحب قواتها من المدن ووقف قتل المدنيين”. بينما قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية “إن الوزراء اتفقوا على الدعوة مجددا لإنهاء سفك الدماء، لكن مع وجود اختلافات في وجهات النظر حول آلية تحقيق ذلك”. وأضافت نقلا عن مصدر لم تسمه “اتفقوا جميعا حول رفض أي تدخل أجنبي في الشأن السوري وضرورة تنفيذ خارطة طريق واضحة المعالم بشأن إجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة تضمن الانتقال السلمي للسلطة مع إشراك الجامعة كطرف أساسي في تنفيذ ذلك”.
إلى ذلك، دعت مجموعة تضم 121 من منظمات المجتمع المدني القادة العرب إلى حماية السوريين من نظام الأسد. وقالت في خطاب مفتوح إلى الأمين العام للجامعة “إن فشل الدول العربية في الرد على الأزمة المتصاعدة في سوريا يقوض شرعية القيادة في شتى أنحاء المنطقة”، داعية إلى عزل سوريا اقتصاديا ودبلوماسيا وفرض حظر لتصدير السلاح إليها وتعزيز جهود الأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان.
وتجمع أمام مقر الجامعة بضع مئات من السوريين رافعين لافتات تقول إحداها “يا أمين الجامعة العربية كن أمينا على الدماء السورية”.
وقال الناشط السوري محمد علوش “جئنا إلى هنا لنقول لكل العرب إن المندوب السوري لا يمثلنا ووزير الخارجية لا يمثلنا”، وأضاف أنه جاء إلى مصر منذ 15 يوما وأنه هارب من الملاحقة في بلاده.
وقال محمود عبدالكريم الذي يدرس الطب في القاهرة “منذ ولدت وأنا أسمع الجامعة تشجب وتندد وتدين لكن للعجب أنني لا أسمع هذه الكلمات تجاه الموقف في سوريا”، وأضاف “الإصلاحات لا تنفع ما دام الجيش في المدن”.
المصدر: القاهرة