إصلاحات ضريبية في مصر لزيادة الحصيلة وتحقيق العدالة
(القاهرة) - تبدأ وزارة المالية المصرية خلال أيام تنفيذ سلسلة من الإجراءات الضريبية الهادفة إلى الإصلاح الضريبي الذي يحقق حصيلة مالية أكبر ويعيد التوازن النسبي بين الموارد السيادية للبلاد ونفقاتها العامة.
وتشمل الإصلاحات ثلاثة قطاعات رئيسية هي الضريبة العامة على الدخل وضريبة الأرباح التجارية والصناعية وقطاع التهرب الجمركي.
وتتنوع الإصلاحات بين محاصرة التهرب الضريبي والجمركي والحد من انتشاره خاصة في الفترة الأخيرة في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي تشهده البلاد وتحريك شرائح الضريبة الخاضعة لها بعض الشركات التي تحقق أرباحا صافية تزيد على 100 مليون جنيه سنويا، إلى جانب إعادة النظر في ملف الضريبة العقارية، بحيث يتم حسم الجدل الدائر بشأنها، وتحديد موعد نهائي لتطبيقها بعد التوصل إلى صيغة توافقية مجتمعية حولها، وهي الصيغة التي طرحها نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الدكتور حازم الببلاوي قبل أيام وتشمل إعفاء المسكن الخاص من الضريبة مع رفع سقف الإعفاء ليبلغ مليون جنيه مقابل نصف مليون في الصيغة القديمة للقانون.
أما الإصلاحات المتعلقة بالضريبة العامة على الدخل، فتشمل عددا من التعديلات على اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة مع منح مزيد من المرونة والسلطات التقديرية لمأموريات الضرائب، بحيث يعاد النظر في شرائح هذه الضريبة بإعطاء إعفاءات جديدة لموظفي الجهاز الإداري بالدولة وشركات القطاعين العام والخاص ممن تقل إجمالي دخولهم الشهرية عن ألفي جنيه في الوقت الذي ستتم فيه زيادة الضريبة على الشرائح العليا للدخل.
ضريبة تصاعدية
وتشمل إصلاحات وزارة المالية بدء تطبيق الضريبة التصاعدية خاصة أن الوزارة حصلت على موافقة الحكومة على دراسة المقترحات الخاصة بتطبيق هذه الضريبة، تمهيدا لإعدادها في مشروع قانون.
وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد”، فإن المنتظر تطبيق ثلاث شرائح من ضريبة الأرباح التجارية والصناعية بالنظام التصاعدي تشمل الشريحة الحالية والمقدرة بنحو 20%، ثم شريحتين أخريين الأولى 25% للشركات التي يتراوح صافي أرباحها بين 100 و200 مليون جنيه، سنويا ثم شريحة أخرى بنسبة 30% للشركات التي يزيد صافي أرباحها على 200 مليون جنيه سنويا.
وحسب هذه المعلومات، فإن تطبيق نظام الشرائح التصاعدية لضريبة الأرباح التجارية والصناعية سوف يؤدي إلى زيادة الحصيلة الضريبية بنحو ستة مليارات جنيه سنويا خلال المرحلة الأولى، ثم تتضاعف مع زيادة حجم ونوعية النشاط الاقتصادي بالبلاد بعد استقرار الأوضاع السياسية والأمنية.
وسوف يتم منح تيسيرات للشركات الخاضعة للشرائح العليا من الضريبة تشمل تقسيط النسبة الزائدة على العشرين بالمئة المقررة وإدخال بعض الأنشطة والمصروفات العمومية في هذه الشركات في مجال الإعفاء، بحيث تتقبل هذه الشركات فكرة الضريبة التصاعدية.
أما المحور الثالث من خطة وزارة المالية، فيشمل العديد من الإصلاحات الهادفة للحد من الآثار السلبية للتهرب الضريبي والجمركي على الحصيلة لا سيما في ظل اتساع نطاق التهرب في الفترة الأخيرة خاصة التهريب الجمركي مع وجود مشكلات على الحدود البرية للبلاد من ناحية ليبيا أو قطاع غزة حيث يتم يوميا ضبط عمليات تهريب كبيرة لسلع عادية أو ممنوعة وغير قانونية مثل المخدرات والسلاح الأمر الذي يقتضي تكثيف الجهود الرامية لمحاصرة نشاط المهربين غير الشرعي وإخضاع السلع المهربة للرسوم الجمركية المقررة، حيث تشير المعلومات إلى أن الخزانة العامة فقدت أكثر من عشرة مليارات جنيه في الأشهر الثمانية الماضية جراء التهرب الجمركي.
وعلى صعيد التهرب الضريبي، تشمل الإصلاحات حصر الأنشطة غير الحاصلة على تراخيص بالتشغيل بعد أن انتشرت ظاهرة العمل بلا ترخيص وممارسة أعمال تجارية من المنازل، وتقديم خدمات بلا مكاتب أو شركات صغيرة مسجلة رسميا، الأمر الذي زاد من التهرب الضريبي لا سيما في ظل عدم رغبة الكثيرين في التعاون مع وزارة المالية في هذا الأمر بعد ثورة 25 يناير بدعوى انتشار الفساد المالي داخل أجهزة الحكومة، وعدم توجيه حصيلة الضرائب والرسوم التي تجمعها الحكومة من المواطنين إلى أوجه الإنفاق السليمة، وعدم إحكام الرقابة على إنفاق هذه الأموال.
وتسعى وزارة المالية إلى إدخال العديد من الأنشطة غير المسجلة في دائرة الخضوع الضريبي بعد مساعدة هذه الأنشطة على توفيق أوضاعها حسب القوانين السارية بالبلاد مع تقديم تسهيلات لإزالة العقبات التي كانت تواجه هذه الأنشطة عند التحول من المجال غير الرسمي إلى المجال الرسمي.
عجز الموازنة
وتسعى وزارة المالية من وراء هذه الإصلاحات الضريبية الجديدة إلى زيادة الحصيلة السيادية من الرسوم الجمركية والضرائب لسد جانب من عجز الموازنة المتنامي، والتعرف بدقة الى حجم النشاط الاقتصادي الحقيقي بالبلاد في شكله المنظم أو غير المنظم واختبار قدرة الشركات على تحمل شريحة ضريبية أعلى من الحالية والتي لا تزيد على 20% الأمر الذي من شأنه تعزيز الثقة بالسوق والاقتصاد المصري بصفة عامة، وتقديم دليل جديد للاستثمارات الأجنبية على قدرة السوق المصرية على توليد أرباح جيدة للمستثمرين تجعلهم يستطيعون تحمل نسبة ضريبية عالية، وان كانت هذه النسبة طبيعية مقارنة بالعديد من أسواق العالم التي تصل الضريبة التصاعدية في بعضها إلى مستوى كبير يبلغ في بعض الحالات نحو 65% من الأرباح الصافية. أما الهدف الأخير، وهو ذو طبيعة سياسية، فيتمثل في إحداث نوع من التوازن الضريبي في المجتمع، بحيث لا يتساوى محدودو الدخل مع ذوي الدخول المرتفعة في سداد نسبة الضريبة نفسها.
وأكد الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد المصري الأسبق، أن المنظومة الضريبية في مصر في حاجة إلى المراجعة وإعادة النظر بهدف رسم سياسة ضريبية جديدة قائمة على المتغيرات السياسية والاقتصادية بالبلاد، حيث كانت السياسة الضريبية القديمة تتسم بالانحياز الشديد واعتمادها على نظرية “التساقط” أي وصول ثمار النمو للأغنياء أولا حتى يستطيعوا خلق فرص عمل للفقراء وهي النظرية التي ثبت فشلها وكانت لها عواقب وخيمة على الأوضاع الاجتماعية بالبلاد، ومن ثم فإن الأمر في حاجة إلى هذه السياسة الضريبية الجديدة التي تراعي التوازن بين دافعي الضرائب وتوزيع العبء الضريبي في المجتمع بقدر من العدالة يراعي ظروف الفئات الكادحة.
وأضاف أن الحزمة الضريبية المنتظرة سوف تلعب دورا مؤثرا في تهدئة الرأي العام ولكن المطلوب في السياسات الاقتصادية ذات الطبيعة الدائمة ومنها السياسات الضريبية مراعاة أوضاع الاقتصاد الكلي بصفة عامة وليس إرضاء فئة على حساب أخرى أو أرضاء فئة على حساب حركة الاقتصاد بصفة عامة وهذا يعني ضرورة طرح هذه الإصلاحات الجديدة للنقاش العام قبل إقرارها خاصة وأن مجتمع الأعمال المصري يعاني معاناة شديدة هذه الأيام جراء حالة الركود المسيطرة على النشاط الاقتصادي.