محمد مندي·· حروفي ابتدأ رحلته من الرسم فجمع بين صناعة الزخرفة وامتداد الحرف وتشكلاته، يعشق انحناءات الحروف وهي تشع من بين يديه وميضاً، بريقاً أخاذاً خاصة عندما يكتب اسم ''الله'' متفنناً في أن يقلب كل بواطن الجمال فيه· محمد مندي·· هام بالحرف العربي فجعله منسرحاً كامتداد الصحراء ولم يكتف بذلك فهاجر معه إلى أرض مصر ليتعلمه على أيدي الحروفيين المهرة ثم يمم وجهه شمالاً، حيث موطن الإبداع والتاريخ الفني لهذه الصنعة كي يعرض ابتكاراته على الأساتذة الأتراك في اسطنبول فأعجبوا بما جاء به ومنحوه درجة الأستاذية في هذا الفن· كل هذه الرحلة الطويلة ولا يزال الفنان الإماراتي محمد مندي يبحث في خبايا الحرف الذي يقول فيه: ''إن علم الحرف العربي سيمتد حتى آخر الزمان''· حول هذا العلم وجمالياته كان لـ(الاتحاد الثقافي) هذا الحوار مع محمد مندي: ؟ كيف تعرفت على الخط العربي؟ ؟؟ بعد ممارستي فن رسم الأحياء الشعبية إبان فترة الأعوام الخمسة عشر من عمري، كنت أرسم البحر والصيد بالصقور وامتدادات الصحراء والعادات القديمة بما فيها من رؤية تقليدية، لأننا كنا نعيش كل هذه الأجواء بحلوها ومرّها· ومن الغريب أننا حين نجتمع خاصة الفنانين فإننا نعمد إلى رسم بعضنا البعض وكأنها مدرسة نتعلم بها من الآخر وهذا أصل الإبداع والفن· إن الرسام يواجه الأشياء اليومية التي يعيشها بحركتها وسكونها، وكان نشاطنا نمارسه في المدارس وهو نشاط متعدد الوجوه نحاول من خلاله أن نبرز على الساحة الثقافية· الأساتذة ؟ هنا تعرفت على الخط؟ ؟؟ نعم، كنا نقلد الخطوط حين نرى كراسات الخط وعناوين الكتب· وكان حلمي أن أدرس على يدي الأستاذ الخطاط الشيخ سيد إبراهيم الخطاط المصري الشهير· وكانت عيني دائماً تقع على من كتب العنوان وهو معروف بكتاباته لعناوين الكتب الإسلامية والشعرية والإبداعية بكل صنوفها· حينها تمنيت أن أدرس على يد هذا الأستاذ وتحققت هذه الأمنية وأنا في الخامسة والعشرين حينها التحقت بمدرسة تحسين الخطوط العربية بالقاهرة وكان معي الخطاطون المشهورون في مصر· ؟ من أمثال؟ ؟؟ سيد إبراهيم ومحمد علي مكاوي، ومحمد عبدالقادر ومحمود الشحات ومحمد أحمد عبدالعال ومحمد أبوالخير· وآخرون منهم أساتذتي في هذه المدرسة كان ذلك في عام ·1975 وكان الطالب يدخل الامتحان منذ أول التحاقه لكي يحدد مستواه المعرفي· وكانت صلتي ومعرفتي واضحة بالخطوط جميعها وبأنواعها وهو ما بدا واضحاً في الامتحان الأول، وبعد الامتحان أعلنت النتائج وتم تنسيبي إلى المرحلة الثالثة ولم يبق أمامي إلا المرحلة الرابعة· وهنا دخلت في عالم دراسة الحرف علمياً وعلى أصوله كما يقال· استثناء ؟ إذاً تخرجت من المدرسة بسنتين وهذه حالة استثنائية؟ ؟؟ نعم تخرجت عام 1977 وكان ترتيبي الأول على طلبة المدرسة وعلى مستوى الجمهورية، حيث كانت تحتوي دراسة الخط العربي على (5) مدارس موزعة في أنحاء الجمهورية كافة· وحصلت على تكريم الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات· ؟ هنا بدأ مشروعك يتضح والمسار يأخذ وجهته الصحيحة، متى كان أول معرض لك؟ ؟؟ قبل أول معرض لي، كنت أشترك في معارض داخل الدولة وخارجها، وهي معارض جماعية يقيس من خلالها المبدع الحروفي مستواه في الخط والزخرفة كي يستفيد مما نقصه من معرفة لدى الآخرين· أي مبدأ التعرف على الآخر من الخطاطين وأساليبهم ومدارسهم· ثم فكرت في إقامة معرض شخصي عام 1999 في قرية الغوص والتراث في دبي وكانت بمناسبة مهرجان التسوق وكان اسم المعرض ''حبيبتي دبي'' وقدمت فيه 37 لوحة من اسم دبي أي تنويعات حروفية متعددة على اسم ''دبي''· ؟ وكأنك بذلك قد استحدثت 37 شكلاً حروفياً لاسم دبي؟ ؟؟ نعم لقد استغرقت (7) أشهر لإعداد هذا المعرض المكون من 37 عملاً بأحجام متساوية وهي 60 * 50سم· فجاءت أشكالها وألوانها بخطوط عربية متنوعة على أشكال تراثية واسلامية وهندسية وقوارب بحرية ونخيل ونجوم وسماوات بعيدة، وهي كلها تنويعات أردت بها القول إن الخط العربي قادر على أن يتشكل كيفما يريد المبدع· وكان صدى المعرض كبيراً، ومن الجميل أن أذكر أن تقدير الإبداع قد أخذ حيزاً مهماً في ثقافتنا المحلية حينها اقتنت دائرة السياحة والتسويق التجاري في دبي جميع الأعمال إكراماً لفن الحرف العربي وكان المحفز على هذه الخطوة خالد بن سليم المدير العام لدائرة السياحة في دبي· الأم ؟ بعد معرضك الأول ماذا كانت أبرز نشاطاتك في هذا الحقل؟ ؟؟ أقمت بعد عام المعرض الثاني في قرية الغوص وكان بعنوان ''الأم في قلب فنان''· ؟ وكأنك بذلك تأخذ موضوعاً واحداً لتنوع تجربتك فيه وهنا موضوعه ''الأم''؟ ؟؟ نعم هذا صحيح، حيث المهرجان يتمحور حول مفهوم الأم فأخذت جوانب كثيرة منها: الأم في القرآن الكريم، الأم في الحديث الشريف، الأم في الشعر، الأم في الحكم وقد وصلت أعمالي فيه إلى 30 لوحة· ؟ كيف كانت الحركة الفنية للخط في ذلك الوقت؟ ؟؟ كان الخط يمر بمرحلة بدايات تشكله، وكان ينضوي تحت لواء جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وكان يشكل جزءاً بسيطاً من أنواع الفنون التشكيلية فلم يأخذ دوره كما هو الآن· ؟ هل بدأت هناك وفي هذه المرحلة أسماء تظهر على الساحة الإبداعية في الخط العربي؟ ؟؟ نعم كانت هناك مجموعة شبابية مهتمة بشكل شخصي بمشاركات الخط ولكنها لم تلتق لتشكل بؤرة مهمة تحتفي بالخط، إلى أن أقيمت المسابقات الخاصة بالخط، حيث بدأت هذه الأسماء تتنافس مع بعضها بسبب استحداث جوائز مهمة في الدولة تمنح للخطاطين من مثل جائزة العويس للخط العربي ومعارض خاصة بالخط في الشارقة تعنى بالخط وحروفية الكلمة العربية· النسخ ؟ ما هو أقرب نوع من الخطوط العربية إليك؟ ؟؟ في البدء كان الخطان الكوفي والديواني الجلي ثم بعد أن درست في تركيا نوعين من الخط وهما الثلث والنسخ ابتدأت علاقتي بهما تتضح ونلت فيهما إجازة الخط على يد الشيخ الخطاط التركي الشهير حسن جلبي، وهو تلميذ حامد الآمدي أشهر خطاط في عصرنا الحديث· ؟ لماذا كانت البداية بالخط الكوفي؟ ؟؟ لأن الخط الكوفي قريب للرسم الهندسي؛ ولأنه يحتوي على الزخارف الإسلامية وتنويعاتها· ؟ ولكنه الأقدم فنياً؟ ؟؟ نعم، إنه الأقدم في الكتابة خاصة كتابة المصاحف، حيث كتبت فيه قباب المساجد والمحاريب· ؟ هنا توجهت إلى تركيا·· لماذا؟ ؟؟ تركيا هي مركز الخط العربي منذ أيام الدولة العثمانية، حيث اعتنى الخطاطون بهذه الهواية وحولوها إلى حرفة، فأصول الكتابة وجدت هناك، وتاريخياً كانت الدولة العثمانية ومركزها اسطنبول هي الوحيدة التي تمنح إجازة الخط العربي ''الحلية الشريفة'' وهي في وصف الرسول عليه الصلاة والسلام وممن نالوا الإجازة منها وعلى يد حامد الآمدي الخطاط الشهير هاشم محمد البغدادي· ؟ هنا نرجع إلى المركز والهامش، ألم تتكون خلال حقبة طويلة مراكز كبرى في عالمنا العربي لمنح هذه الجائزة؟ ؟؟ مع الأسف الشديد ان دولنا العربية خاصة وزارات التربية والتعليم لم تهتم بإقامة هذه المدارس إلا بعد فترة متأخرة· نحن الآن، أقصد الخطاطين العرب والذين يرغبون في تعلم الخط، تنقصنا المدرسة التركية· ؟ لماذا؟ ؟؟ لإخلاص المدرس التركي في التعليم، هم قد أخذوا هذا الجانب التعليمي مما رُوي في الحديث الشريف ''خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه'' فهم يتعلمون من القرآن ويعلمون الناس الخط· الأصل ؟ في قراءتي لبعض المصادر عن الخط الحروفي للقرآن الكريم وجدت أن هذا العلم قد برع فيه المغول ومن بعدهم الإيرانيون ثم الأتراك، فكيف استقر عند الأتراك ولم ينتقل إلى الفكر العربي؟ ؟؟ لأن الخط كان له شأن كبير عند السلاطين·· أنت اذا رأيت الخط يهتم به السلطان، والسلطان هو الذي يتدرب على الخط ويمسك المحبرة للأستاذ، حينذاك تجد أن الخط قد أخذ موقعه الصحيح· فإذا طلب السلطان أن يكتب اسمه أو لتزيين المساجد أو كتابة الرسائل فإنك تجد الفنان الحروفي سوف يوظف إمكاناته وإبداعاته كافة في التنويع والإجادة· ؟ فلنتحدث عن موضوع إجازتك، كيف حصلت عليها، وما هي المعوقات التي صادفتك؟ ؟؟ عندما رأيت شريط فيديو عام 1981 للخطاط الشهير حامد الأمدي وهو في آخر عمره يكتب، ثم يقوم بدفنه الشيخ حسن جلبي لم أبكِ في حياتي مثل تلك اللحظة، فتمنيت أن أزور اسطنبول أولاً لكي أذهب إلى قبر الآمدي، وفعلاً قمت بزيارة كل المساجد التي خطها بحروفيات إسلامية وتعرفت على الجلبي· والتحقت بالدراسة على يديه· ؟ كم استغرقت هذه الدراسة؟ ؟؟ استغرقت ما يقرب من السنتين ودرست فيها خط الثلث والنسخ على القواعد وأصول الكتابة وكانت الدراسة مجاناً· وبعدها نلت الإجازة على يد أربعة خطاطين هم الشيخ حسن جلبي، والشيخ محمد فؤاد باشار، والشيخ داود بكتاش، والشيخ فرهاد ليساري، وكلهم أتراك· وبعد الإجازة اتجهت إلى تدريس الخط· فلابد أن أعلم غيري ما تعلمته· الإجازة ؟ من الذي ترشحه من العرب وهو مؤهل ليمنح إجازة الخط وبصراحة؟ ؟؟ لا يوجد من هو المؤهل لمنح هذه الإجازة· ؟ لماذا؟ ؟؟ نعم لا يوجد من اقتدى بشكل علمي بالدراسة التركية التي لا تزال مركزاً علمياً لهذا الإبداع· وكان لدينا سيد إبراهيم في مصر، وهاشم البغدادي في العراق وكلاهما غادر الحياة·· فلم نعوض بشخص آخر له الحق بمنح الإجازة· ؟ ما هي قوانين منح هذه الإجازة؟ ؟؟ الطريقة التركية عندما تبدأ بدراسة الخط الثلث مثلاً، تبتدئ بدعاء ''ربّ يسِّر ولا تعسِّر، رب تمِّم بالخير'' وبعده تبدأ بالحروف الأبجدية من الألف إلى الياء على قواعد الخط العربي، وثالث ألف الثلث، ارتفاع الألف سبع نقاط من حجم القلم الذي يكتب، فما بالك بالحروف كلها من حيث المقاسات والشكل فعندك النسخ والديواني والديواني جلي والنسخ تعليق ''النستعليق الإيراني'' وهذه الدراسة هي التي ينتهجها الخطاطون الأتراك وهي من خطوط الشيخ الخطاط محمد شوقي (التركي)· ؟ يبدو أن ذلك صعب حقاً؟ ؟؟ نعم لا يتحقق هذا الأمر في بلادنا العربية إلا إذا أنشئت المدرسة التركية عندنا أي على يد خطاطين أتراك هم الذين يقيمون هذه المدرسة في بلداننا العربية·