دق خبراء صحة وتغذية إماراتيون ومؤسسات ومنظمات صحية ناقوس الخطر تجاه طبيعة النظام الغذائي ونمط الحياة السائد في الإمارات، داعين لاتخاذ خطوات سريعة لتصحيح الأنماط الغذائية في الدولة، بعد تفشي ظاهرة السمنة وأمراضها في مشهد لا ينفصل عن الظاهرة في بعديها العربي والعالمي، باعتبارها مشكلة صحية تتزايد عاماً بعد عام.وتشكل تهديداً بسلامة الصحة. طبقاً لما أعلنته منظمة الصحة العالمية في أحدث تقاريرها أن السمنة ستصبح وباء القرن الحادي والعشرين، حيث أن هناك أكثر من مليار شخص يعانون البدانة على مستوى العالم، وهو عدد في تزايد مستمر حتى في الأعمار الصغيرة بسبب ارتفاع مستوى المعيشة وما صاحبه من قلة حركة، وإقبال زائد على مطاعم الوجبات السريعة، وانتشار العادات الغذائية الخاطئة التي ساعدت على تراكم الدهون وحدوث السمنة التي أدت إلى الكثير من المشاكل الصحية والأمراض. نسب مثيرة للقلق في هذا السياق، دعت الدكتورة طيف السراج، رئيس الخدمات السريرية في مستشفى توام في العين، بالاشتراك مع مؤسسة “جونز هوبكنز الطبية”، سكان الإمارات إلى مراعاة نظامهم الغذائي، في ظل الإحصائيات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية، والتي أظهرت أن أكثر من نصف الرجال والنساء في الإمارات يعانون من زيادة الوزن أو البدانة، وهي نسبة مثيرة للقلق بسبب ارتباط مستويات البدانة ترتبط بأمراض خطيرة مثل ارتفاع نسبة الكولسترول وضغط الدم والسكري وأمراض القلب. ووفقاً للمنظمة، يعاني 13.5% من سكان الإمارات من السكري كثاني أعلى نسبة انتشار للسكري في العالم، مع وجود توقعات تشير إلى ارتفاع هذا المعدل إلى نحو 19.3% بحلول عام 2030، وتعد أمراض القلب السبب الرئيس للوفيات في الإمارات، إذ تشكل أمراض القلب والأوعية الدموية 22% من الوفيات في الدولة، كما تسهم الوتيرة المتسارعة لمسيرة النمو والازدهار في الإمارات، في زيادة معدلات البدانة في الدولة. وأوضحت السراج “منذ حوالي نصف قرن كان سكان الإمارات يتناولون الأسماك والأرز والخبز واللبن والخضراوات المحلية ولحوم الخراف والماعز والجمال، أما اليوم فأصبحوا يتجهون بسهولة إلى الوجبات السريعة المثقلة بالكربوهيدرات والملح والدهون والسكر المعالج، فضلاً عن تبني عادات غذائية سيئة وغير صحية على حساب صحتهم العامة”. كما شددت السراج على خطورة مرض السكري على وجه الخصوص، قائلة “علينا أن ننظر للأمر على أنه أكثر من مجرد أرطال زائدة في الجسم، بل تراكم للدهون في الجسم إلى درجة تزيد معها مخاطر الإصابة بأمراض قد تكون مميتة مثل السكري وأمراض القلب، ولهذا نحتاج إلى إعادة النظر في مسألة تراجع مستوى الصحة العامة للناس، وأن أحث الناس على العناية بأنفسهم بشكل أفضل من خلال دراسة نمط حياتهم بدقة على مدار العام، وإحداث تغييرات فيها عند الضرورة، حيث يحتاج الناس إلى نظام غذائي غني بالفاكهة والخضراوات والألياف، ويحتوي على نسب أقل من الدهون المشبعة والكوليسترول، بالإضافة إلى ممارسة النشاطات البدنية”. تعزيز الوعي أكدت السراج “من المهم بالنسبة لنا تعزيز الوعي بمشاركة الرسالة التي تؤكد أن للوالدين أكبر التأثير في أبنائهم، وأن بمقدورهما فعل الكثير لمساعدتهم على تبني موقف صحي إزاء بالطعام”، خاصة مع نتائج تقرير أعده قسم التغذية والصحة في جامعة الإمارات العربية المتحدة في عام 2008، تشير إلى أن قرابة ربع الأطفال من عمر ثمان إلى إثني عشرة عاما يعانون من زيادة الوزن كما تشير الإحصائيات إلى أن الأطفال عادة ما يكونون عرضة للإصابة بالأمراض، فيما إذا كان أحد الوالدين يعاني من الوزن الزائد، مع زيادة هذا الاحتمال في حال إصابة كليهما بزيادة الوزن أو البدانة. وأضافت “دولة الإمارات ليست وحدها التي تواجه المشاكل جراء البدانة، فمعدلات البدانة، حسب منظمة الصحة العالمية، وصلت إلى أرقام مخيفة على الصعيد العالمي، حيث قدرت أحدث تقاريرها إصابة 1.6 مليار شخص بالغ بزيادة الوزن، مع معاناة ما لا يقل عن 400 مليون شخص منهم من البدانة”. وحول ظاهرة البدانة في الإمارات، قال جريجوري شافر، المدير التنفيذي لمستشفى توام “أتمنى أن يأخذ الناس بالنصائح الغذائية، وأن يقوموا باتخاذ خطوات جدية وإحداث تغيير إيجابي، فعلى الرغم من انتشار معدلات البدانة والأمراض المتصلة بها في الإمارات، والمتوقع ارتفاعها في المستقبل، إلا أن الأوان لم يفت على اتخاذ التدابير اللازمة والمتمثلة في معظمها بإجراءات وقائية نجسدها خلال تغيير نمط الحياة”. وفي مؤتمر “أسلوب الحياة وصحة الأسرة” الذي أقيمت فعالياته مؤخرا في عجمان، تم طرح 50 بحثا و23 برنامجا بمشاركة 29 جهة من داخل الدولة وخارجها، حيث شهد المؤتمر عددا من المحاضرات والبرامج والبحوث أبرزها بحث “حبوب إنقاص الوزن هل تعمل فعلا؟”؛ أشارت فيه الدكتورة سهيلة العوضي، من منطقة الفجيرة الصحية، إلى أسلوب إنقاص الوزن باستخدام الحبوب المختلفة ومدى كفاءتها في تحقيق الهدف، حيث أوضحت أن معدلات السمنة قد تضاعفت في العالم منذ 1980 حتى وصلت عام 2008 إلى 1.5 مليار مصاب حول العالم، من بينهم 43 مليون طفل. وبينت علاقة تعاطي الحبوب بإنقاص الوزن، وكيف تؤدي عملها داخل الجسم والدواعي التي تدفع الناس إلى التهافت عليها وخاصة في إطار سعيهم للحصول على حل سحري للمشكلة. كما أظهرت الدكتورة العوضي مخاطر تعاطي الحبوب بدون وصفة طبية والعوامل المؤدية إلى ذلك وخاصة مع توفرها في الأسواق وشيوع الإعلانات عنها دون وجود رقابة على الموضوع. وشرحت التفاعلات الكيميائية الدقيقة التي تحدث داخل الجسم بفضل تلك الحبوب، موضحة كفاءة وسلامة كل منها على حد مع أهم التوصيات في هذا الجانب، ومنها السيطرة النوعية على هذا النوع من المنتجات، وضمان سلامة وصحة التعليمات المكتوبة عليها، وجعل رقابة الجهات الصحية ملزمة على إنتاجها وتسويقها وتوعية المواطن بتجنب الكلمات الجذابة في الإعلانات. أنماط غير صحية أشار الدكتور إيهاب الشعيبي، أخصائي الأمراض القلبية، ورئيس قسم أمراض القلب في مستشفى الخليج في عجمان، إلى “أثر التغييرات في أسلوب الحياة وأمراض القلب”، موضحا أن أمراض القلب هي السبب الأول في الوفيات في العالم، وأن أغلب الأسباب المؤدية لها يمكن التغلب عليها والسيطرة، إلا أن ذلك لا يحدث للأسف بسبب أنماط الحياة المتبعة إلى الحد الذي يمكن أن يعتبر هذه الأمراض من صنع الإنسان نفسه، وأنها تخضع بشكل كبير لاختياراتنا في أسلوب الحياة. كما استعرض الدكتور الشعيبي تفاصيل تأثيرات ذلك على صحة القلب، مشيرا إلى أن من بين أهم التوصيات هي الإقلاع عن التدخين وتعاطي الكحول، واعتماد وجبات الغذاء المتوازنة، واعتماد التمارين الرياضية المناسبة والأكل المنتظم، والأهم هو ضرورة سعي الأطباء والجهات الصحية إلى تطوير وتطبيق ما يعرف بمعايير دقيقة لأسلوب حياة صحية للقلب. وشدد الدكتور ظافر البدري، استشاري الباطنية في مستشفى الكورنيش بالشارقة، على “متلازمة التمثيل الغذائي وعلاقتها بأنماط الحياة”، مشيرا إلى أعراض هذا المرض المتمثلة في ارتفاع ضغط الدم وازدياد محيط الخصر نتيجة للسمنة، وارتفاع الدهون الثلاثية وغيرها من المؤشرات، لافتا إلى علاقتها بالسمنة وأمراض السكري والقلب. وأشار البدري أيضا إلى التداخل في العلاقة الوراثية والتلوث البيئي في إحداث هذه المتلازمة التي تؤدي إلى اختلال التمثيل للعناصر الغذائية داخل الجسم وبالتالي حدوث المضاعفات الخطيرة. كما شدد على الوقاية من هذا المرض عبر عوامل حاسمة وهي الغذاء المتوازن الصحي، والوعي الثقافي، وتغيير أسلوب الحياة إلى أسلوب أقل من الضغوط العصبية والنفسية، والابتعاد عن الملوثات البيئية، والوجبات السريعة الخارجية الغنية بالعناصر غير المغذية، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية اعتماد الرياضة بما لا يقل عن نصف ساعة يوميا. سمنة الخليجيين الأعلى في العالم في إطار الإشارة لمخاطر السمنة في دول الخليج العربي، حذر الدكتور عبد الرحمن مصيقر، مدير المركز العربي للتغذية في البحرين، ومؤلف كتاب “كيف تتخلص من السمنة؟” من تزايد عدد المصابين بالسمنة في دول الخليج العربي، ما ينذر بارتفاع أعداد مرضى القلب والسكري وضغط الدم الناتج عن زيادة الوزن، مشيرا إلى أن نسبة السمنة في دول الخليج تعد الأعلى في العالم، وهو ما يشكل خطرا حقيقيا علي نظام الرعاية الصحية الذي يجب أن يستنفر أجهزته لتوعية المجتمعات بمخاطر زيادة الوزن، ولا يكتفي فقط بتقديم الخدمات العلاجية.