«كين» في موسم الاتهامات العنصرية
منذ عدة أسابيع، وأثناء انشغالي بإجراء أبحاث بغرض الاستعانة بها في كتاب قادم لي عن مكافحة الشيوعية، عثرت بالصدفة على إعلان سياسي عن الانتخابات الرئاسية عام 1952. كان لافتاً للنظر لسببين: الأول، أنه ظهر في صحيفة للأميركيين من أصول إفريقية، والثاني أنه يقول بحروف كبيرة "دعونا نواجه الأمر -منح صوت لديمقراطي معناه منح صوت لجيم كرو". وتلا ذلك شرح يبين لماذا يتعين على الأميركيين من أصول إفريقية أن يؤيدوا قائمة ايزنهاور -نيكسون.
ومن المعروف أن الحزب الديمقراطي عام 1952 كان يعاني من اضطراب ناتج عن انقسام الشخصية، وكان يتنافس من أجل الحصول على أصوات السود الذين كانوا يؤيدون إنهاء سياسة الفصل العنصري وأصوات البيض في الولايات الجنوبية، والذين كانوا يعارضون ذلك بقوة. وكانت القائمة الانتخابية للحزب تعكس ذلك التوتر، حيث كانت تجمع بين الليبرالي أدلاي ستيفنسون وبين السيناتور جون سباركمان (الاباما) الذي كانت معارضته للحقوق المدنية معروفة جيداً.
كان الإعلان نوعاً من الاستغلال الساخر؛ فايزنهاور لم يكن داعية للحقوق المدنية، لكن لم يكن هذا هو المهم. الشيء الأهم في ذلك الإعلان هو أن الحزب الجمهوري كان جاداً في سخريته، وكان ما فعله جهداً حقيقياً، إذا لم يكن من أجل كسب أصوات الناخبين السود، فعلى الأقل من أجل تخفيف حدة حماسهم للديمقراطيين. وهو ما يمثل تناقضاً صارخاً مع نهج عدم الاقتراب من الناخبين السود الذي يتبعه حالياً الحزب الجمهوري، وما يجعل من بروز رجل مثل "هيرمان كين" في استطلاعات الرأي التي يجريها الحزب الجمهوري، أمراً جديراً بالملاحظة.
ليس هناك شك أن نسبة تأييد "كين" في استطلاعات الرأي تتحسن، حيث احتل المركز الأول في الاستطلاع غير الرسمي الذي أجري في ولاية فلوريدا. ويبدو من واقع هذا الاستطلاع وغيره، أنه يتقدم باقي المرشحين في عدد من الولايات التي ستشهد الانتخابات التمهيدية، بعد أن يتم اختيار المرشحين بالفعل. لكن العنصر الأكثر دلالة في هذا الصعود لكين هو ما يقوله ترشيحه -أو ما لا يقوله- بشأن الأحوال العنصرية في هذا البلد. فمن المعروف أن الإدارة الحالية قد أظهرت بجلاء أنها عازفة عن معالجة الأحوال العنصرية بشكل مباشر، ما أدى لنوع من التوتر مع بعض الأميركيين من أصول إفريقية، ممن يعتقدون أن أوباما أقل رغبة أو أقل قدرة على معالجة احتياجاتهم الخاصة من أي رئيس ديمقراطي أبيض. لذلك أصبح من السهل الاعتقاد بأن الليبراليين البيض الذين صوتوا لأوباما قد فعلوا ذلك -جزئياً على الأقل- كوسيلة من وسائل تحقيق نوع من التبرؤ الرخيص من الذنوب العنصرية للأمة الأميركية.
لقد بذلت جهود مضنية من أجل تخليص حملة كين من أي أثر لموضوع العنصرية، لكن ذلك في حد ذاته يمثل دليلاً على عملية "العنصرة" التي يحاول تجنبها. فموقعه الرسمي على شبكة الإنترنت يوضح موقفه بشأن الهجرة، والأمن القومي، والضرائب، والطاقة، والعناية الصحية... ولا نجد فيه أي إشارة للاهتمامات المتصلة بالحقوق المدنية، ولا للتعتيم المبالغ فيه على "أزمة البطالة المعرقنة"، وهذا في الحقيقة شيء يدعو للاستغراب لأن "كين"، خلافاً لأي مرشح جمهوري يعتقد أنه قادر على الفوز بثلث عدد أصوات السود. ونذكر في هذا السياق أنه قد ألقى كلمة الشهر الماضي قال فيها: "إن السود تعرضوا لعملية غسيل مخ دفعتهم للتصويت لصالح الديمقراطيين"، ونقول له إنه يحتاج إلى عملية غسيل مخ أكثر كثافة كي يكسب ثلث عدد أصوات السود بالكامل عندما لا تنعكس الموضوعات الرئيسية التي تهم هذه الكتلة الانتخابية في الأشياء العشرة الأكثر أهمية، والتي حددها هو في قائمته الموضوعة على موقعه الشخصي.
يوجد في الولايات المتحدة ما يقرب من 40 مليون أميركي من أصل إفريقي. ونحن متنوعون مثلنا في ذلك مثل أي مجموعة أخرى من المواطنين تعيش على هذه الأرض، ولنا مصلحة في موضوعات مثل الطاقة، والأمن، والرعاية الصحية. لكن يجب علينا أيضاً أن نعرف أن الناخبين يتميزون بالأنانية، وأن المرشح الذي لا يتعاطى مع المصالح الخاصة بفئة أو مجموعة ما، بصرف النظر عن وضوحها من عدمه، لا يكسب الكثير من دعم مثل هذه المجموعة وأصواتها. وهذه الحقيقة، وهو أمر له دلالته، تمثل الجانب الأكثر إثارة للإحباط في محاولات أوباما تملق الأميركيين من أصول إفريقية عندما يقوم بإبراز الأشياء التي فعلها للبلد بشكل عام.
والمفارقة الساخرة هنا هي أن أوباما في الأغلب الأعم يحذر من معالجة قضايا السود مباشرة بسبب النقد الذي يتوقع أن يلاقيه من الناخبين البيض. إن ذلك يؤشر على أن هناك نوعاً، أكثر غرابة في الحقيقة من محاولات التنصل من الماضي العنصري يجري إعداده في معسكر اليمين خلال الموسم الانتخابي الحالي. وهو نوع ليس الهدف منه نسيان الذنوب العنصرية وإنما هو نوع يحاول السود أنفسهم -وليس البيض- التنصل من تهمة أنهم قد شكوا يوماً أن هناك ذنوباً عنصرية في الأساس. وهذا ما بدا واضحاً حين عمل كين على تهدئة نبرة رده على حاكم ولاية تكساس "ريك بيري" عندما أدلى الأخير في سياق حملته الانتخابية بملاحظات حول محاولات حزبه لتبرئة ساحته وتبييض اسمه من تهمة العنصرية.
والشيء الأكثر إثارة للسخرية هو أن كين نفسه كان قد التحق بهذا العرض من عروض التنصل من تهمة التعصب عندما أدلى منذ شهر تقريباً بتصريح قال فيه إنه سوف يمنع المسلمين من مجلس وزرائه فيما لو انتخب رئيساً، أو أقله أن يجبرهم على توقيع قسم ولاء.
إذا لم يكن هذا تعصباً فما هو التعصب إذاً؟ والأمر الباعث على السخرية أن الكلام لمرشح أميركي من أصول إفريقية!
ويليام جيلاني كوب
أستاذ مساعد للدراسات الإفريقية بجامعة «رتجرز» - نيوجيرسي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»