«الغرفة» عرض غامض يقترب من حدود العبثية لم يفهمه أحد
تعرضت مسرحية «الغرفة»، نص طلال محمود وإخراج عمر طاهر التميمي، إلى نقد شديد وملاحظات معمقة من قبل عدد من المسرحيين في الندوة التطبيقية التي أعقبت العرض، وأدارها المسرحي العراقي محمود أبو العباس بحضور المؤلف والمخرج، فتطرق النقد إلى بنية العمل كاملة تقريبا، بدءا من النص والرؤية الإخراجية والعناصر الفنية الأخرى، حتى أن المؤلف اعترف في رده على الملاحظات أنه «تورط» في موضوع أصعب، بينما اكتفى المخرج بتوجيه الشكر للجميع قائلا «سجلت ملاحظاتكم جميعا».
عرض «الغرفة» الذي قدمته فرقة مسرح الشباب للفنون مساء أمس الأول، في رابع أيام مهرجان دبي لمسرح الشباب، لم يستغرق سوى خمس وعشرين دقيقة، وهو التجربة الإخراجية الأولى للتميمي، لكنها ليست الأولى في التأليف لطلال محمود الذي قدم الكثير من النصوص المسرحية والدرامية، وكانت له تجارب ناجحة وحاز على جوائز مع الممثل والمخرج مروان عبد الله، لكنه أخفق هنا في تقديم نص واضح ومضبوط، بسبب الموضوع الذي تناوله، وهو موضوع التحرش الجنسي الذي يمارسه الشباب.
يقوم النص في فكرته الأساسية على الصراع الداخلي والهواجس المخيفة التي تنتاب شاب يعيش وحيدا، وتتصارع في داخله ثلاث شخصيات تتجسد معه على الخشبة في صور متشابهة بلا أي خصوصية، حتى أنه يضيع بينهم في الكثير من مشاهد العرض. فالشاب الوحيد الذي يقوم بدوره عبدالله الحريبي، يبدو منذ انفتاح الستارة والموسيقى الحزينة والإضاءة الزرقاء على درجة من القلق والتوتر، ومع دخول الشخصيات الثلاث الأخرى، يؤديها كل من جاسم إسماعيل وعبد الله أنور وعبد الله بو هاجوس، تزداد حالة التوتر والبحث عن مخرج، وسط حديث (وهلوسات) عن الطهارة والحلال والحرام، وتتكرر لازمة السؤال عن المفتاح بلا جدوى. وتختلط صرخات الألم بالتداعيات الحميمة، وصوت الطبول بموسيقى الكمان وزقزقة العصافير، وصوت المطر بحلم الطيران. ثم يظهر رجل في صورة الأب المتسلط، وينتهي العرض بسماء تمطر مفاتيح.
استخدم المخرج فرقة موسيقية تركها في العتمة في آخر الخشبة، دون أي دلالة لذلك، فالفرقة التي اعتمدت عازف الكمان بصورة أساسية كانت مهمة للعرض وكان يمكن الاكتفاء بأدائها، لكن المخرج كان يلجأ إلى مؤثرات صوتية مختلفة. وإلى ذلك استخدم أشكالا من الإضاءة الجميلة، لكنها لم تكن لها وظيفة واضحة. تحريك الممثلين لم يكن موفقا، فقد بذلوا جهدا في الحركة، لكن من غير أي تميز، فكانت غالبية الحركة عشوائية، ولم نشاهد تعبيرات الجسد ولا الوجوه التي ظلت معظم الوقت في العتمة، رغم أن أبرز ما في الممثل هو تعبيرات وجهه وجسده.
في النهاية خرج كثيرون يقولون «لم نفهم ما يريده المؤلف والمخرج»، وهو ما عبر عنه أيضا الفنان أحمد الجسمي في سؤاله خلال الندوة التطبيقية عما يريد العمل أن يقوله، مشيرا إلى خطورة الاقتراب من العبثية، فهي تتطلب إمكانيات كبيرة؟ كما لفت إلى أهمية اللجوء إلى البساطة، فالمخرج الذي خلق فضاء جميلا، لم يستطع توظيف الجماليات والتقنيات التي توفرت له.
وفي تقديمه للندوة، أشار محمود أبو العباس إلى أهمية مثل هذه الندوات، من حيث ما تقدمه للشباب من العلم والتجارب والخبرات والآراء، خصوصا في ظل غياب للمعاهد المسرحية، وعدم إمكانية الاكتفاء بورشات العمل التي تقام هنا وهناك. كما تحدث سالم باليوحة مدير إدارة المشاريع في هيئة دبي للثقافة والفنون باسم الهيئة، قائلا إن أي شخص من «الهيئة» يقدم مداخلة في الندوة يعبر عن نفسه ورأيه، ولا يمكن أن يمثل وجهة نظر «الهيئة»، وذلك تعقيبا على خلاف حدث في اليوم السابق عندما تحدث أحد العاملين في «الهيئة» فجرى تفسير حديثه على أنه يمثل هيئة دبي للثقافة والفنون.
وأشار بعض المتحدثين في الندوة إلى طغيان الموسيقى على صوت الممثلين. كما توقف الفنان غنام غنام عند ما أسماه انزياحات في العرض أثرت عليه سلبا، منها انزياح على صعيد استخدام غرفة واسعة بينما يتطلب العمل غرفة ضيقة تخلق الشعور بالاختناق، وعلى مستوى آخر ثمة انزياح على مستوى الانفصال بين داخلية النص وخارجية التمثيل، وكذلك الأمر في ما يتعلق بالحل الإخراجي الذي يأتي بالحل من السماء بينما العمل واقعي. واحد فقط ممن تداخلوا أشاد بما أسماه الروح التجريبية والمغامرة في العرض.
المصدر: دبي