تامر عبد الحميد (أبوظبي) - أحمد النجار (دبي)
أكد مذيعون إماراتيون أن الإذاعات المحلية ستظل «صوت الناس» في كل مكان وزمان، ولن يتأثر حضورها أو يهتز عرش ريادتها مع التطور التكنولوجي المتسارع، بل على العكس تماماً، فقد أثبتت مرونتها بتحولها من وسيلة مسموعة إلى منصة ذكية تنقل برامجها بالمباشر صوتاً وصورة، مشيرين إلى أن مستقبل الإذاعة على الرغم من انشغال الجميع بشاشات الهواتف، سيشهد طفرة في ثالوث الشكل والقالب والبث، وستكون أكثر ازدهاراً في السنوات العشر القادمة، وأسرع انتشاراً وأقوى جاذبية وحضوراً خاصة عند تطويعها الذكاء الاصطناعي لخدمة رسالتها ورؤيتها، وسيكون المذيع قادراً على مخاطبة جمهور العالم كله، ضمن منصة ديجتال قادرة على بث برامجها عبر الأقمار الاصطناعية، ليستغني معها المذيع عن الاستديو، ويقدم برنامجه من منزله.
تطور وتحدٍ
وبمناسبة اليوم العالمي للإذاعة الذي حددت له المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» يوم 13 فبراير من كل عام، يوماً عالمياً للاحتفال بالراديو، التقت «الاتحاد» بعض مسؤولي ومذيعي الإذاعة، ليتحدثوا عن تطور الإذاعة والتحدي الذي تواجهه مع التطور التكنولوجي وعصر الحداثة الذي نعيشه، حيث قال عبدالله أحمد بوعتابة الزعابي، المدير التنفيذي لشبكة أبوظبي الإذاعية: حافظت شبكة أبوظبي الإذاعية التابعة لـ«أبوظبي للإعلام» منذ تأسيسها على استراتيجيتها في إنتاج وتطوير محتوى برامجها الإذاعية، وتسليط الضوء على الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات خلال العقود الماضية، كما ساهمت الشبكة في عملية بناء الوعي لدى المجتمعات.
واعتبر الزعابي أن التقدّم التقني الذي شهده القطاع الإعلامي خلال السنوات العشر الماضية، وتوظيف أحدث التقنيات العالمية أسهم في التطوير المستمر لشبكة أبوظبي الإذاعية وبناء حضورها الرقمي على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول لمختلف فئات الجمهور.
وأضاف الزعابي: استطاعت «أبوظبي للإعلام» وبدعم من الكفاءات الإعلامية الوطنية، مواكبة التطور الرقمي الذي يشهده القطاع الإعلامي، لتعزز من موقعها الريادي في الدولة وعلى مستوى المنطقة، وفي الوقت الذي نحتفي فيه باليوم العالمي للإذاعة، تواصل «أبوظبي للإعلام» تحديث وتطوير شبكة قنواتها الإذاعية من خلال إطلاق دورات برامجية ومنصات جديدة، مثل التطبيقات الرقمية المخصّصة والبث عبر المواقع الإلكترونية، ما يسهم في تلبية احتياجات وتفضيلات الجمهور وفق أعلى المعايير العالمية.
ملامسة الواقع
من جهتها، قالت الإعلامية شمس السعدي: الإذاعة اليوم وأمس وغداً، ستظل هي المنبر والوسيلة الأكثر استخداماً والأقرب إلى الجمهور، فهي تلامس الواقع بكل بساطته وعفويته، ووحدها تمتلك القدرة الفريدة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور، حيث أثبتت الإذاعة قدرتها على التنافس في ظل هذا الكم الهائل من وسائل التواصل الاجتماعي الذي نشهده اليوم، وستظل راسخة على عرشها، وأضافت: الإذاعة يمكن أن تصوغ تجربة المجتمع في كل مجالات الحياة، وتعكس بكل شفافية صورة الواقع، فترى فيها ما يلامس آلام الناس ويسعى لإيصال صوتهم إلى المعنيين والسعي نحو إيجاد الحلول لمشكلاتهم، وهذا ما نراه في «استديو واحد» في إذاعة أبوظبي، فهو حلقة الوصل بين المواطن والقادة والحكومة.
وفي إذاعة «إمارات أف أم» تجد روح الشباب وتحديات المستقبل وغرس الإيجابية ورؤية الوطن والاستثمار في الإنسان، فتجدها أقرب لقلب الشباب لأنها تخاطبهم وتمثلهم وتشجعهم على حب الوطن، وتغرس في قلوب الصغار من أبنائنا الانتماء والوطنية والإيجابية وتحدي الصعاب وحب العمل والنجاح.
وترى السعدي أن إذاعة أبوظبي تمثل صوت النخبة، فتجدها كصديق قديم يمضي معك في هذه الحياة، وقالت: الإذاعة اليوم لها خصوصيتها التي جعلتها حالة خاصة لا يمكن أن تنافسها وسيلة لتفردها بقربها الكبير من جمهورها، فكل بيت يحتوي على مذياع، وكل سيارة فيها راديو، وهي رفيقة درب أفراد الأسرة تبث فيهم الإيجابية والأمل، وتخفف عنهم ضغوط الحياة وهمومها، والأجمل أن تكون هذه الإذاعة تعتمد الترفيه والتثقيف وترفع الوعي عند المستمع في كافة شؤون حياته، وهنا يكمن سرها الذي أبقاها راسخة رغم كل هذا التنوع والمنافسة، من خلال ما تقدمه من فائدة وترفيه.
وأكدت السعدي أن الإذاعة لا تزال تحافظ على مكانتها في الوسط الإعلامي، ولا تزال لديها متابعة جماهيرية كبيرة في جميع أنحاء العالم العربي، ولم تتأثر بالـ«سوشيال ميديا» أو مواقع التواصل مثل باقي الوسائل الإعلامية الأخرى التي طورت من نفسها في الفترة الأخيرة لكي تواكب عصر التكنولوجيا، إنما الإذاعة تعتقد أنها لا يوجد منافس لها وعرشها لن يهتز.
أنيس الدار
أما علياء بوجسيم مذيعة في إذاعة الأولى، فاعتبرت أن الإذاعة ستظل صديقة العالم أجمع، كونها صاحبة الريادة وأقدم وسيلة إعلامية لعبت دوراً مهماً في حياة الناس، منذ أول بث للإذاعة، والبداية كانت بالصوت وما زال الصوت هو عنصر الجذب والتأثير في وجدان الشعوب، وما زالت البيوت في الإمارات محتفظة بالراديو كصديق للعائلة وأنيس للدار، وقد امتدت هذه العلاقة إلى الهواتف الذكية التي لا تخلو منها في تلبية لاهتماماتهم وإرضاء ذائقتهم وأمزجتهم، وهذا ما نلمسه من خلال تفاعلهم المستمر على منصات «السوشيال ميديا»، واقتراحاتهم بتغيير أوقات بعض البرامج لأهميتها بالنسبة إليهم.
وتعتمد إذاعة الأولى، وفق علياء، في رسالتها على تقديم المحتوي التراثي الذي يحقق ثنائية الجذب والتأثير للجيل الحالي، وعلى الرغم من أن برامجها موجهة باللهجة المحلية، فإن هناك كثيراً من المقيمين يتفاعلون معها لاستقاء المعلومة والفائدة واستلهام مآثر مستوحاة من روح الثقافة الإماراتية التي تحمل القيم والأصالة والمعاني النبيلة. وأشارت إلى أن إذاعة الأولى انفردت بتقديم الأخبار باللهجة المحلية، بهدف مخاطبة المستمع العادي، وتأكيداً لشعارها «منكم وفيكم» لتحقيق القرب والدفء والتواصل العفوي الذي يخدم رؤيتها في الحفاظ على اللهجة المحلية، وجعلها جزءاً من رسالتها الإعلامية.
رقمنة الإذاعة
ويرى عبدالله إسماعيل مذيع في راديو دبي، أن التحدي الكبير أمام الإذاعات المحلية يتمثل في قدرتها على الاندماج مع التكنولوجيا الذكية، كونها سحبت الجمهور إلى ساحات «السوشيال ميديا»، وقد اختفى معها زمن «ما يطلبه المستمعون»، نتيجة انشغال الجيل الجديد بأدوات الاتصال الرقمية وتمضية معظم وقته على شاشة الهاتف، وفي الوقت ذاته، استطاعت الإذاعة أن تحجز لها مساحة على المنصات الاجتماعية، وفتحت موجات جديدة نقلت صوتها عبر الأثير خارج السحابة المحلية إلى الفضاء الإقليمي، وأصبح لها تطبيقات ذكية وصلت أيضاً إلى شرائح من الجمهور، وهذا يتجلى في حضور الطلبة المبتعثين والمغتربين من المواطنين الذين يتابعون برامج الإذاعة من بلدان مختلفة، ناهيك عن اتجاه غالبية الإذاعات إلى تقنية نقل الصوت والصورة من خلال تطبيقات الهواتف الذكية، فنحن اليوم في عصر تلفزة ورقمنة الإذاعة لخدمة رسالتها في الانتشار والتخاطب مع الجمهور العالمي.
إذاعات ديجتال
وذكر عبدالله أن الإذاعة وسيلة غير جامدة، فهي دائماً مرنة ومواكبة رغم قدم عمرها، وتصارع من أجل البقاء، وقد اهتز عرش التلفزيون لكنها ظلت ثابتة، بالنظر إلى قوة تأثيرها وسرعة وصولها فهي الأجدى ربحياً واقتصادياً، وستظل دائماً حاضرة طالما توجد سيارة وشاشة هاتف، وقد دفعت ثمناً كبيراً لضريبة التطور والاندماج، فقدت معها القوالب الإذاعية الكلاسيكية، إلى جانب الكثير من قيمها المتعارف عليها، فعلى سبيل المثال، صارت شخصية المذيع التقليدي الذي يتمتع بصوت رخيم وثقافة عالية وحضور رزين من الماضي، فيما حل مكانه المذيع المرح، خفيف الظل، سريع الإيقاع والبديهة، فأصبح هو المطلوب والمرغوب المحبب سمعياً.
وتابع: أتوقع لمستقبل الإذاعة بعد 20 عاماً الازدهار والانتشار أكثر من اليوم، لأن كل الدراسات والبحوث في عصر التقنية والذكاء الاصطناعي، ستفرز إذاعات جديدة بتقنية الديجتال يمكن من خلالها الاستماع لكل إذاعات العالم عبر الأقمار الاصطناعية، وهذا التطور ربما يؤثر على حضورها في الإعلام المحلي، ولكن الرهان يبقى على قوة المحتوى وقدرته على التأثير الذكي العابر للثقافات، وستختفي الإذاعة بطابعها المحلي وستصبح إذاعة دولية، وهي بالفعل موجودة حالياً عبر الستلايت، وسيكون هناك تحدٍّ كبير أمام راسمي السياسات الإذاعية في خوض غمار الانتشار العالمي، أو الحفاظ على التأثير المحلي المحدود، كأقل دور ممكن لها في زخم أي ثورة تكنولوجية قادمة.
توعية وتنوير وترفيه
الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة، حسب حليمة الرئيسي، مذيعة ومدير البرامج في إذاعة رأس الخيمة، يمثل عيداً سنوياً لكل مذيعي الراديو حول العالم، معتبرة أنه فرصة لتعريف الناس بأهمية الإذاعة في تشكيل ثقافتهم ووعيهم وتنمية معارفهم، وأضافت: لا تزال الإذاعة حتى اليوم تلعب دوراً توعوياً وتنويرياً وتثقيفياً وترفيهياً، فهي الوسيلة الوحيدة الصالحة لكل وقت وزمان، ولم تفقد رونقها وريادتها أو جماهيريتها رغم المتغيرات المتسارعة.
وذكرت حليمة أن الإذاعة وسيلة قابلة لأن تتحول إلى منصة ذكية، حيث تم استثمار التكنولوجيا و«السوشيال ميديا» لخدمة برامجها وتحقيق انتشارها، فعلى سبيل المثال، كنت من أوائل المذيعين الذين شاركوا في نقل بث برنامج «حياة وناس» بعد تنزيل تطبيق «لايف إنستغرام»، وبعدها سارعت إذاعات محلية إلى نقل برامجها الإذاعية بالصوت والصورة إلى جمهور الوسائط الاجتماعية.