افتتح مساء أمس الأول في صالة عرض جمعية الإمارات للفنون التشكيلية المعرض التاسع والعشرين للتصوير الفوتوغرافي الذي تنظمه إدارة الجمعية في مثل هذا الوقت من كل سنة في مقرها بمنطقة الفنون بالشارقة القديمة ويستمر حتى السابع من يناير المقبل. يشارك في المعرض، الذي افتتحه محمد علي النومال، رئيس هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة، بحضور محمد القصاب أمين سر الجمعية وعدد من القائمين على إدارة المؤسسات المعنية بالفنون التشكيلية، خمسة وثلاثين مصورا ومصورة فوتوغرافية من أعضاء الجمعية، حيث تنوعت المشاركة ما بين الصورة الفوتوغرافية الواحدة والثلاث صور لكل مشارك ليبلغ عدد الأعمال قرابة الخمسين عملا. لعل أبرز ما جاء لافتا للانتباه في هذا المعرض، هو المعالجة التقنية للون لتعطي إيحاء بجمالية خاصة لا تخلو من مشاعر فيها قدْر من الرومانسية، كما هي الحال في الصورة التي حملت توقيع بشرى بن علي، أي أن الإحساس كامن أصلا في الصورة ذاتها ثم ليأتي إبراز اللون بمعالجته تقنيا ليؤكد من هذه الأحاسيس والمشاعر. وما ينطبق على عمل بشرى بن علي، مع اختلاف ما تمنحه من إيحاءات، أحمد بالحمر وبدر اليافعي وبدر عباس مراد مع اختلاف في تجربة الأخير في إنتاج جماليات خاصة تمنحها الأشكال التي توصل إليها عبر تقنية الكمبيوتر والمؤثرات البرامجية التي يمنحها، فيما انطوت الأعمال الأخرى على مشاهد طبيعية خاصة ذهب فيها أحمد بالحمر إلى المشهد الطبيعي الواسع، فيحسب المرء أنه قد التقطها من طائرة، لكن التفاصيل وزاوية أن الرجل قد ارتقى مكانا عاليا ليأخذ من أوسع مساحة ممكنة. إذن فالبيئة الإماراتية، أو المشهد الطبيعي الإماراتي بالأحرى، هو السيمة الأخرى الأوسع انتشارا في المعرض، أي أن الصورة هنا واقعية تماما وتترك للناظر إليها أن يستمتع بتجربة جمالية مع المشهد في درجات مختلفة من مصور إلى آخر حيث تتعدد اتجاهات الأعمال ما بين واقعية مطروقة سابقا تقدم من بيئة بحرية أو جبلية أو صحراوية مع بعض الاختلافات الطفيفة وذلك رغم أنها تمتلك شرطها الفني كصورة مستقلة بذاتها. إنما يحسب المرء هنا أن هذا الاتجاه في المعرض يبشّر بمواهب شابة قادرة على التميز والاختلاف في سياق تجربة قابلة للتطور باستمرار. أيضا ربما تكون الإشارة هنا إلى عمل موزة صبيح الفلاسي ذات فائدة حيث استطاعت أن تلتقط صورة تفصيلية لفراشة تحط قرن فلفل في شجرة فلفل جافة ويبدو إلى جوارها قرن فلفل آخر على الشجرة ذاتها، حيث أن التقاط هذا النوع من الصور صعب وعسير لاحتياجه دقة عالية في التركيز الذهني وحساسية موازية في اختيار اللحظة المناسبة في التقاط المشهد وإبراز التناقضات الجمالية فيه. أما نزعة التجريب أو ما هو أقرب إلى ذلك فتبدت في صورة صنعها خميس الحفيتي لمشهد شجرة جعل منها شجرتين متناظرتين، وجعل لكل منهما يميل لونها إلى السواد وكأن المشهد شتائي أما الأخرى فمنحها لونا برتقاليا وكأن المشهد مشهد مغيب، ولعل اللافت هنا هو أن المصور قد استطاع أن يجعل من الصورة إجمالا ذات حيوية ومثيرة لمشاعر متناقضة بما فيها من غموض ما وخيال أثناء استخدام تقنية الكمبيوتر. وتظهر في صور المعرض ثلاث طفلات: في صورة التقطتها نوف ابراهيم لفتاة صينية في زي تقليدي تضع تلك الإسورات في عنقها من ذلك النوع الذي يطيل الرقبة بحسب الاعتقاد الصيني، وصورة التقطتها سهام محمد لوجه فتاة إماراتية تضع على وجهها البرقع، كما أن هناك صورتين التقطتهما بلقيس البعداني لفتاة إماراتية في أوضاع جرى تقصّد إبرازها فيها على نحو يوحي بتضامن واسع مع عذابات الطفولة. إن اتجاه صناعة الصورة اتجاه واسع في فن التصوير الفوتوغرافي، ولطالما استخدم في أغراض الدعاية التربوية أو السياسية أو العقائدية، وهنا تحاول البعداني لفت الانتباه إلى قضية الأطفال الذين تُساء معاملتهم فلا تُحترم مشاعرهم ولا مخيلاتهم أو حتى ذكائهم الخاص، إنما على نحو هيّن لا فجاجة فيه بما يجمع الإنساني إلى الجمالي في الوقت نفسه. وأخيرا فإن المعرض إذ يقدم العديد من المواهب، وإذ يجمع المخضرمين إلى الواعدين في فن التصوير الفوتوغرافي الإماراتي فإنه يحتاج إلى أكثر من وقفة نقدية متخصصة في هذا الفن فتؤرخ لتطوره الحادث والراهن قياسا على ماضيه ومستقبله بحسب ما ينتج الواعدون.