ما أجمل أن نرغم المتنزهين في الحدائق على أن يقفوا ويسألوا ويفكروا في تلك الآثار القديمة التي تعود لآلاف السنين دون أن يذهبوا لأماكن مخصصة لها، وذلك بوجود حدائق كحديقة آثار هيلي التي تجمع النجيل الأخضر الممتد على مد البصر، تزينه زهور من مختلف الأشكال والألوان ونوافير الماء التي تطرب الآذان بهدير مياهها وألعاب تدخل البهجة والسرور إلى قلوب الأطفال·· وفي نفس الوقت تضم تلك الحديقة بعض أجزاء العصر البرونزي التي يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث تعتبر منطقة هيلي التي توجد فيها الحديقة أكبر مجمع أثري لها في دولة الإمارات· صممت هذه الحديقة لتسلط الضوء على الآثار التاريخية، وتتيح للمتنزهين والزائرين مشاهدتها، في حين توجد بقايا أثرية عديدة أخرى كآثار المستوطنات السكنية والقبور والأفلاج التي تعود إلى العصر الحديدي- في منطقة محمية خارج الحديقة· في الماضي، كان موقع ''هيلي ،''1 الكائن بجانب مدفن هيلي الكبير داخل الحديقة، عبارة عن برج عالٍ يرتفع عدة أمتار فوق سطح الأرض· وقد تم اكتشافه في الستينات من القرن الماضي من قبل علماء آثار من الدنمارك، حيث كان الموقع محاطاً بسور دائري سميك يضم عدة غرف وبئراً في الوسط· أما اليوم، فلم يبق من هذا المبنى سوى أساسه، لكن هناك مبان أخرى تم العثور عليها في حالة جيدة خارج السور الدائري· وفي بدايات التسعينيات من القرن الماضي، تم اكتشاف آثار مبنى مماثل يُعرف بـ''هيلي ''10 بالقرب من المدخل الرئيسي للحديقة من قبل دائرة الآثار والسياحة سابقاً، التابعة حاليا لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وتبيّن أن المبنى يحتوي بدوره على بئر مركزية، وأنها مشيدّة من الطوب الطيني على غرار موقع ''هيلي ·''1 أما السور الدائري الذي يبلغ عرضه ثلاثة أمتار، فيدّل على أن المبنى كان قلعة محصنة، ربما استخدمت لمراقبة طرق القوافل التجارية التي تعبر المنطقة· كما أدت حفريات قام بها فريق فرنسي إلى اكتشاف مبنى ثالث بتصميم مماثل خارج الركن الجنوبي- الغربي لسور الحديقة· ويوجد في هيلي ثلاثة مدافن داخل الحديقة والعديد منها خارجها· أما مدفن هيلي الكبير فيعود تاريخه إلى نحو 4000 عام· ويحتوي المدفن على أربعة غرف داخلية، كل واحدة منها مخصصة لدفن عدد محدد من الموتى، رغم أن الحفريات أظهرت تعرّض الموقع لدمار كبير في الماضي· كما تدّل قبور جماعية أخرى تعود إلى نفس الفترة على دفن المئات من البشر هناك منذ زمن بعيد· ويوجد على المدخلين المؤديين إلى المدفن زخرفة منحوتة، حيث تم حفر المدخل الشمالي في حجر ضخم مزخرف بثلاثة رسوم: الأول في أعلى الفتحة يمثل رجلاً يركب دابة وآخر يمشي خلفه، وفي اليمين نرى شخصين متعانقين، وفي أسفل الفتحة نرى حيوانين متقابلين ''ربما الفهد العربي'' يلتهمان غزالاً صغيراً أو بقراً وحشياً· أما الزخرفة الموجودة على المدخل الجنوبي فهي عبارة عن زوج من البقر الوحشي وشخصين واقفين بينهما· وفي مكان ليس ببعيد عن المدفن الكبير، تم اكتشاف قبر آخر دائري الشكل ومعرّض للنبش والذي تم ترميمه حسب تصميمه الأصلي· وتبين أن الموقع يحتوي على ست غرف يتخللها حائط يقسم المدفن إلى نصفين، حيث تم تقسيم كل نصف بحائطين صغيرين متوازيين ومتعامدين نحو الحائط الرئيسي· وقبل ترميم المبنى، كانت معظم الأحجار الأصلية مفقودة· وقد تساعد الأبحاث القائمة حالياً على بقايا الهياكل العظمية في معرفة ما إذا كان بعض أو كل المقابر الموجودة في ''مدفن ن'' قد نُقلت إليه من موقع آخر· ويعتبر ''مدفن ن موقعاً استثنائياً لاحتوائه على العديد من القطع الأثرية كالفخاريات والأواني الحجرية والحلي التي تعود إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد·