تظهر البنوك الإسلامية الآن كواحدة من أسرع قطاعات صناعة التمويل العالمية نمواً مع توقعات بأن تلعب دوراً متعاظماً خلال السنوات المقبلة. وقد أظهرت البنوك والمؤسسات المالية التي تعمل وفقاً للشريعة الإسلامية مرونة مذهلة خلال الأزمة المالية العالمية التي ضربت اقتصاد العالم في خريف 2008 وأدت إلى انهيار عشرات البنوك التقليدية وبخاصة في الولايات المتحدة. وشجع هذا البنوك التقليدية، حتى في الدول التي يمثل المسلمون أقلية فيها مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، على تقديم خدمات البنوك الإسلامية إلى جانب خدماتها التقليدية. ورغم عدم وجود بيانات دقيقة حول حجم صناعة البنوك الإسلامية، فإنه من المعتقد أن يكون زاد من 820 مليار دولار عام 2008 إلى أكثر من تريليون دولار خلال 2010. وتشير أحدث الدراسات إلى النمو المطرد لنظام الصيرفة الإسلامي بحيث يمكن أن تصل إلى 1,5 تريليون دولار عام 2012 ثم 3 تريليونات دولار عام 2015. ويقول الخبير الاقتصادي الأردني جواد عناني إنه يعتقد أن البنوك الإسلامية مستعدة لكسب المزيد من الأرض في المستقبل بفضل الثقة التي حققتها خلال الأزمة المالية. وأرجع عناني النجاح الأخير للبنوك الإسلامية إلى وفرة السيولة النقدية التي نجحت في توفيرها رغم أزمة النظام المالي العالمي. وتلعب البنوك الإسلامية نفس الأدوار التي تلعبها البنوك التقليدية في سوق التمويل رغم الفروق الجوهرية بينها. والمفهوم الأساسي للبنوك الإسلامية هو “العدل” الذي يتم الوصول إليه من خلال تقاسم المخاطر بين المقرض والمقترض، فالمودعون في البنوك الإسلامية ملزمون بتحمل نصيبهم من الخسائر إذا حدثت كما يحصلون على نصيبهم من الأرباح عندما تتحقق، كما أن البنوك الإسلامية لا تعترف بمبدأ سعر الفائدة الثابت سواء على الإيداع أو الإقراض. وخرج النظام المصرفي الإسلامي من الأزمة المالية العالمية بأقل قدر من الخسائر بسبب الحظر الصارم الذي يفرضه على الاستثمار في المنتجات المالية عالية المخاطر مثل المشتقات المالية والتي كانت سبباً رئيسياً في أزمة البنوك التقليدية. وقالت خلود السقاف نائب محافظ البنك المركزي الأردني في وقت سابق من الشهر الحالي، خلال مؤتمر لتقييم مدى نجاح نظام التمويل الإسلامي، إن النظام المالي الإسلامي أثبت أنه الأقل تضرراً من تداعيات الأزمة العالمية بفضل إدارته الصارمة لأدواته المالية وتركيزه على العمليات المالية الحقيقية والابتعاد عن المضاربات. والحقيقة أن الانبهار بأداء نظام التمويل الإسلامي لم يقتصر فقط على الدول الغنية وإنما امتد أيضاً إلى الدول التي تعاني من أزمات مالية حيث أعربت عن اهتمامها بهذا النظام. وقال وزير المالية الأردني محمود أبو حمور مؤخراً إن حكومته تدرس إصدار سندات إسلامية بمئات الملايين من الدولارات باعتبارها نافذة جديدة للاقتراض وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية. ووفقاً لدراسة حديثة أجراها صندوق النقد الدولي، فإن البنوك الإسلامية ساهمت في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي خلال الأزمة في ضوء نمو قروضها وأصولها بمعدل ضعف معدل نمو أصول وقروض البنوك التقليدية على الأقل. وأرجع الصندوق هذا النمو إلى المرونة العالية لدى البنوك الإسلامية وإلى أن البنوك الإسلامية تقدم الجزء الأكبر من محفظة قروضها إلى القطاع الاستهلاكي الذي كان الأقل تضرراً من الأزمة مقارنة بالقطاعات الأخرى في الدول التي شملتها الدراسة. ورغم النمو القوي الذي حققته البنوك الإسلامية خلال العام الأول من الأزمة المالية العالمية، فإن أرباحها تراجعت بدرجة كبيرة العام الماضي بسبب ما وصفه خبراء الاقتصاد بأنه “ضعف إدارة المخاطر” لدى هذه البنوك. ويقول جواد عناني: “اعتقد أن أحد التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية هو ابتكار وسائل لتطوير إدارة المخاطر التي تواجه تطبيق الشريعة الإسلامية في صناعة التمويل، إذا فشلت البنوك الإسلامية في تطوير مثل هذه الآلية اعتقد أنها ستواصل جذب الودائع لكنها لن تكون قادرة على جذب العملاء والاستثمارات وبخاصة عندما ترتفع أسعار الفائدة العالمية مع تعافي الاقتصاد”. وأضاف عناني، الذي عمل وزيراً سابقاً في الحكومة الأردنية ومستشاراً اقتصادياً لها، أن من بين التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية ضرورة تحسين التفاهم مع البنوك المركزية في عدد من القضايا. وقال إنه لاتزال هناك مشكلة تتمثل في إصرار البنوك المركزية على معاملة البنوك الإسلامية معاملتها البنوك التجارية التقليدية التي عليها أن تلتزم بقواعد السياسة النقدية (للبنوك المركزية).