دراسة: طلبة في دبي يواجهون عائقاً في مستوى الإتقان
كشفت نتائج استبيان البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA)، الذي شمل 5620 طالباً وطالبة بدبي من عينة مختارة من 134 مدرسة حكومية وخاصة، عن وجود عوامل وخلفيات اجتماعية تأثر بشكل كبير على مستوى تحصيل الطالب دراسياً، إذ قدمت نتائج استبيان (PISA) براهين واضحة على تأثير بيئة الطالب خارج المدرسة في وجود اختلافات واضحة في أداء الطلبة.
يشكل استخدام التقييمات الدولية أداة مهمة لمقارنة أداء طلبة الدولة مع المعايير الدولية. ويقيس البرنامج الدولي لتقييم الطلبة PISA قدرة الطلبة في عمر 15 سنة على تطبيق معارفهم في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم ضمن المهام والتحديات اليومية التي يواجهونها في حياتهم العملية.
متطلبات منهجية
حول برنامج التقييم، تقول فاطمة الجناحي، مديرة إدارة التقييمات الدولية في هيئة المعرفة بدبي، إن برنامج PISA ينعقد مرة كل ثلاث سنوات، وركزت دورة 2009 بشكل خاص على القراءة، وتم اختيار 5620 طالباً وطالبة بدبي كعينة من 134 مدرسة حكومية وخاصة في دبي، وقد خاضوا اختبارات الدراسة الأساسية للبرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA) ضمن الفترة ما بين 26 أبريل إلى 14 مايو من عام 2009 باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك وفقاً للمتطلبات المنهجية التي حددتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) لضمان شمولية العينة والتي تعبر عن تنوع اللغات والمناهج الدراسية المطبقة، حيث جرى اختيار طالبين من كل ثلاثة تقريباً في عمر 15 سنة تقريباً.
وتضيف «يأتي البرنامج كجزء من عملية عالمية يجري تطبيقها كل ثلاث سنوات، بالتنسيق بين هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، حيث ركزت 80% من الدراسة في الدورة السابقة من البرنامج، والتي عقدت في عام 2009، على قياس مهارات القراءة المكتسبة للطلبة، فيما تركز 20% منها على مهارات العلوم والرياضيات، حيث برزت أهمية PISA في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتعليم حول العالم من الاستبانات التكميلية التي تُرفق بتقييمات المهارات التي تُجريها، إذ تطلب الاستبانات من الطلبة توفير معلومات حول عائلاتهم ومنازلهم ومدارسهم للوقوف على المتغيرات المتنوعة التي قد تُؤثر على مخرجات الطلبة». وتوضح «بالنظر إلى مجتمع دبي متعدد الثقافات، نجد أن الطلبة ينحدرون من خلفيات متنوعة بشكل كبير، ومن المُرجح أن يكون لهذا التنوع تأثير متفاوت على مُستويات تحصيل الطلبة».
تدني الإتقان
توضح الجناحي «أشارت النتائج إلى أن معدلات الطالبات الإماراتيات جاءت أدنى متوسط مستويات الإتقان بالمقارنة مع جميع الطالبات من الجنسيات الأخرى في دبي، وتراوح التباين من 29 نقطة في القراءة والعلوم إلى 58 في الرياضيات التي تعد المجال الأضعف لدى الطالبات في دبي. كما لوحظ وجود عجز بين الطالبات من الجنسيات العربية بمقدار 10 نقاط أقل من متوسط دبي في القراءة والعلوم، و15 نقطة تقريباً في الرياضيات. وهكذا يبدو أن التحصيل الدراسي المنخفض في إتقان الرياضيات لدى الطالبات في عمر 15 سنة يعود إلى الضعف الكبير في أداء الطالبات من الجنسيات العربية والإماراتيات». وتضيف «كما لوحظ وجود الاتجاه نفسه بشكل عام بين البنين، لكن مع ارتفاع التباين، فمعدل الطلبة الإماراتيين جاء أدنى بكثير من معدل الإتقان لدى أقرانهم من البنين في جميع المجالات مقارنة مع البنات في دبي، حيث إن أداء البنين أقل بمقدار 96 نقطة تقريباً أو ما يعادل انحراف معياري كامل عن معدل العلوم في دبي، بينما ترتفع القيمة لتصل إلى 108 في مجال القراءة. أما الفارق في الرياضيات فقد كان أقل، لكنه ما زال كبيراً إذ يبلغ 78 نقطة، وتأخر البنين من الجنسيات العربية عن المعدل بفارق أقل عن الإماراتيين إذ تراوح بين 20 و40 نقطة، ويمكن الرجوع إلى الشكل 19 الذي يُلخص التباينات الإجمالية تبعاً للجنسية».
وتتابع «توصل البحث إلى أن 55% من الطلبة الإماراتيين و35% من الطلبة العرب و16% من الطلبة غير العرب حصلوا على المُستوى 1 أو أدنى من مُستويات الإتقان».
توزيعات متشابهة
تقول الجناجي «أكثر من ثلث الطلبة العرب الوافدين وأكثر من نصف الطلبة الإماراتيين في عمر 15 سنة يُعتبرون معرضين لخطر عدم القدرة على مواجهة الحياة العملية، مما يذكر بالحاجة المستمرة إلى بذل جهود حثيثة لتطوير ودعم التعليم. ويشكل المستوى 3 من مُستويات الإتقان الحد الأدنى الموصى به من قبل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، ولقد حقق هذا المستوى 61% من الطلبة الوافدين من غير العرب و32% من الطلبة الوافدين العرب و17% من الطلبة الإماراتيين، كما حاز 0,5% من الطلبة الإماراتيين على مهارات عليا في القراءة، مقابل 1,5% من الطلبة الوافدين العرب و9,4 % من الطلبة الوافدين من غير العرب، ولقد لوحظت توزيعات مُشابهة لمستويات الإتقان في المجالين الآخرين». وتضيف «على الرغم من أن هذه الدراسة التحليلية تكشف أن الطلبة الإماراتيين في دبي يواجهون عائقاً جوهرياً في مُستوى الإتقان، إلا أنه توجد عوامل متراكبة قد يكون لها دور في تدني الأداء، فعلى سبيل المثال تجد أن الطلبة الإماراتيين ملتحقون بمناهج ضعيفة الأداء على الأرجح. وأظهرت التحليلات أن الخلفية التي ينحدر منها الطلبة كجنسياتهم والوضع الاجتماعي لهما تأثير كبير على أداء الطلبة».
وتشير الجناحي إلى العوامل التي تؤثر على تحصيل الطالب، قائلة «الأسرة فالتلميذ المحاط برعاية خاصة ومتابعة من قبل والديه، وينشأ في مستوى اجتماعي معتدل، وأجواء يسود فيه التفاهم والترابط الأسري، ومتابعة الأهل لسير العملية التعليمية من خلال حثه على القراءة وتوفير الكتب والمستلزمات، يكون ضمن بيئة خصبة تجعل الطالب ينجذب إلى هذه الممارسات الصحيحة، التي ستترك نتائج إيجابية على تحصيله العلمي، بالإضافة إلى إكسابه قدراً من الثقة، والاستقرار النفسي، وبالتالي التحصيل الدراسي الجيد».
الخلفية العلمية
تخلص الجناحي إلى أن الخلفية العلمية التي يتمتع بها الأهل لها قدر كبير في دفع الطلب نحو تحقيق مستوى تحصيلي مرض. وتقول إن الاختلافات في المستوى التعليمي لأولياء الأمور تلعب دوراً في حدوث تباين في مهارات الطلبة بين الجنسيات المُختلفة، إذ أظهر التحليل الديموغرافي لطلبة دبي في عمر 15 سنة أن 22% من أمهات الطلبة الإماراتيين لم يُكملن تعليمهن الثانوي، في حين أن 30% أكملن تعليمهن الجامعي. وكشف البحث عن أن آباء الطلبة الإماراتيين تمتعوا بمُستويات تعليم أعلى من الأمهات، كما توجد نسبة مُشابهة من الآباء الذين تسربوا من المدارس في وقت مبكر، إلا أن نسبة أولياء الأمور (الآباء) الذين أكملوا تعليمهم الجامعي بلغت 37%. أما بالنسبة لأولياء الأمور من غير الإماراتيين، فقد تبين أن 11% من أولياء الطلبة الوافدين العرب و5% من أولياء الوافدين من غير العرب لم يُكملوا تعليمهم المدرسي، وقد يفسر هذا جانباً من التباين في الأداء الحالي بين الطلبة في عمر 15 سنة من مختلف الجنسيات. وتُركز هذه البيانات على التحصيل العلمي لأولياء الأمور وغيرها من المتغيرات الاجتماعية - الاقتصادية كعوامل مهمة في تحديد أداء الطلبة. وتضيف الجناحي «تؤثر البيئة المدرسية على تحصيل الطالب، والمتمثل في علاقة الطالب بالمدرس وتبادل النقاش والحوار ومحاولة أخذ المعلومة بطريقة واضحة، ومدى ما يقدمه المعلم من اهتمام وحرص على إيصال المعلومة لكل طالب في الفصل وإزالة اللبس والغموض، فكفاءة المعلم ومدى ما يتمتع به من مستوى عال تؤثر في ممارسة مهنته، وتؤثر وبشكل كبير في جذب الطالب وتحبيبه في المادة، وبالتالي يزيد عطاؤه واهتمامه بالمادة، الأمر الذي سينعكس على مستواه الدراسي». ولا يمكن، وفق الجناحي، غض الطرف عن مستوى المناهج والمقررات الدراسية، وأيضاً علاقة الطالب بزملائه في الفصل، فهذه العوامل قاطبة تلعب دوراً محورياً في مستوى أداء الطالب. وسيتم مستقبلاً إجراء أبحاث إضافية للوقوف على جميع العوامل المتعلقة بأداء الطلبة سواء في المنزل أو المدرسة، التي قد تفسر تأخر مهارات الطلبة ووضع بعض التوصيات المناسبة.
المصدر: دبي