المعرض الدولي للكتاب يكرِّس المصالحة بين الجزائر ومصر
احتضنت الجزائر في الفترة الواقعة بين 21 سبتمبر و1 أكتوبر الجاري المعرض الدولي للكتاب في طبعته السادسة عشرة. وشهدت نسخة هذا العام رقماً قياسياً من حيث حجم المشاركة، حيث حلّت 521 دار نشر تنتمي إلى 32 بلداً من القارات الخمس، ضيفة على المعرض، ما دفع المنظمين إلى توسيع مساحته لتصبح 24 ألف متر مربع، كما دُعي 70 أديباً وكاتباً عربياً، أغلبهم من لبنان ومصر لإلقاء محاضرات وتنشيط ندوات أدبية وفكرية عديدة.
استحوذت الجزائر على حصة الأسد من المعرض بـ143 دار نشر احتلت أكثر من 4 آلاف متر مربع من مساحة المعرض، وتليها مباشرة مصر بـ83 داراً تربَّعت على مساحة 1403 أمتار، لتعود مصر بذلك بقوة إلى المعرض بعد أن غابت عن الطبعة الـ15 التي أقيمت العام الماضي، لعدم توجيه الدعوة إليها على خلفية الأزمة الحادة التي نشبت بين البلدين والشعبين في أعقاب مباراة 18 نوفمبر 2009 بأم درمان السودانية.
شراكة أدبية
افتتحت وزيرة الثقافة خليدة تومي المعرض برفقة وزير الثقافة اللبناني جابي لعيون، الذي دُعي إليه بعد أن تمّ تعيين لبنان ضيف شرف هذه الدورة، ورافق جابي 70 دار نشر لبنانية، وقالت الوزيرة تومي إنها تتمنى إقامة شراكة بين دور النشر الجزائرية واللبنانية العريقة، وكذا بينها ودور النشر المصرية، وعرّجت على الجناح المصري الذي توقفت عنده طويلاً، وقالت أمام ممثلي «دار الشروق المصرية» إنها تتمنى أن تكون هناك «دار شروق مصرية - جزائرية - لبنانية».
وحظي المعرض منذ افتتاحه بإقبال هائل للجمهور المتعطش للكتاب؛ إذ شهدت مختلف أجنحته توافداً كبيراً للقراء من مختلف الأصناف، خاصة قراء الكتاب الديني، والنساء اللواتي وجدن في كتب الطبخ والحلويات والتجميل ضالتهن، والطلبة الجامعيين والباحثين الذين يبحثون عن كتب نوعية في تخصصات محددة لإنجاز مذكراتهم وأطروحاتهم الجامعية، وكذلك تلاميذ الثانويات والمتوسطات وحتى المرحلة الابتدائية بهدف اقتناء الكتب شبه المدرسية لتقوية مستوياتهم. وفي جناح «دار الكتب القانونية» المصرية، بينما كان رابح بلَّعْلي يبحث عن كتب متخصصة لإنجاز أطروحة الدكتوراه، يقول «جئتُ من ولاية تلمسان خصيصاً من أجل هذا المعرض الذي يشكل فرصة كبيرة لي لاقتناء ما أحتاج إليه تحديداً لإنجاز أطروحتي»، وأضاف بلَّعلي بعد أن اشترى كتابين ثمينين من الدار «الكتب القانونية المتخصصة والثمينة متوافرة تقريباً في دور النشر المصرية واللبنانية، وهي ذات قيمة فكرية عالية تخدم الباحثين الجامعيين».
ويؤكد صاحب الدار، أسامة شتات، أنه أقرّ «تخفيضات للطلبة والباحثين». وأكد أن جمهوره متخصص، ولكن العامة يقتنون كتب الدار أيضاً «الجزائري هو الوحيد في العالم العربي الذي يقتني كتبنا حتى ولو لم يدرس القانون بسبب تعطشه للعلم والفكر؛ إنه يفضل شراء الكتب على الطعام» وأضاف «أشاركُ في كل المعارض العربية منذ سنوات عديدة ولم أجد نهَماً لاقتناء الكتب كما هو الحال في الجزائر».
حسن معاملة
عن المشاركة المصرية في هذه الطبعة بعد عام من الغياب بسبب تدهور العلاقات بين البلدين على خلفية أزمة أم درمان في نوفمبر 2009، كشف شتات عن أنه لم يغب عن أيّ من طبعات معرض الجزائر كلها «يعتقد الكثيرون أن مصر غابت تماماً عن معرض الجزائر للكتاب في 2010، وهذا غير دقيق، لقد كنتُ المصريَ الوحيد الذي شارك في الدورة الماضية للمعرض في أكتوبر 2010 بعد أن وُجهت لي دعوة شخصية، وقد حذرني بعض المقربين آنذاك وقالوا إنهم سيقتلونك، ولكني لم أكترث بذلك لأني أعرف طبيعة الجزائريين الودودة منذ سنوات طويلة، وفعلاً لم ألقَ إلا الترحيب وحسن المعاملة». وأضاف «شاركتُ في الدورة الماضية لأني رأيتُ أن دولتين عربيتين كبيرتين بحجم مصر والجزائر هما أكبر من مباراة في كرة القدم، أما هذا العام فقد كان الاستقبال الرسمي والشعبي الجزائري لدور النشر المصرية في غاية الحفاوة ولذا أعتبر أن الأزمة انتهت تماماً».
أما إبراهيم حسين، مندوب مبيعات بـ»المكتبة العصرية للنشر» فبدأ حديثه بالتأسف لغياب الدار عن الطبعة السابقة وسعادته بالعودة هذا العام، وحمّل مسؤولية ما حدث للنظام السابق بمصر، واعترف بأن الاستقبال الشعبي فاجأه: «الاستقبال كان جيداً وحافلاً وأزال تماماً بعض ما انتابني من مخاوف وهواجس قبل المشاركة، الإقبال الشعبي على كتبنا معتبر، وبعض القراء يحدثوننا عن تداعيات الأزمة دون أية حساسية أو عتاب».
دور نشر مشتركة
من جهته، أبدى علي سالم، مدير التسويق بـ«الدار المصرية - اللبنانية» ارتياحه البالغ لزوال آثار الأزمة التي حمّلها لوسائل إعلام البلدين، حيث «كاد الإعلام أن يفسد كلية العلاقة التاريخية بين الشعبين الشقيقين برغم كل الروابط التي تجمعهما»، قبل أن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، وأضاف «هذه أول زيارة لي إلى الجزائر، وقد وجدتُ معاملة طيبة من شعب مضياف وودود»، وتمنى سالم أن يكون للدار فرعٌ في الجزائر كما هي الحال في لبنان لتوطيد الوشائج الثقافية بين البلدين والشعبين، لكنه أكد أن «المصالحة تمت على كل الصعد وليس على الصعيد الثقافي فقط». ويشاطره جمال عبد الناصر، مسؤول تسويق بالدار نفسها، الرأيَ، إلا أنه يتحسر لانحراف الرياضة عن أهدافها «الكرة من المفروض أن تقرب بين الشعوب الشقيقة أكثر، لا أن تُحدث التشنجَ والحساسيات بينها»، وأكد أهمية الكتاب والثقافة في إصلاح «ما أفسدته الكرة والإعلامُ الذي يشحن الجماهير، وكذلك الحكومات التي تفسد العلاقة بين الشعوب العربية أحياناً بإعلامها». ورحب عبد الناصر بفكرة وزيرة الثقافة الجزائرية بإقامة دور نشر مصرية - لبنانية - جزائرية وقال إن ذلك شرف، ومعارضُ الكتاب ليست ربحية فقط، بل اتصالات وتعاون أيضاً.
ورحب حسن بدر، مدير مبيعات «دار الشروق» بدعوة الوزيرة إلى إنشاء «دار شروق مصرية - جزائرية» وأكد أنها تشرف الدار وتعبر عن التواصل الثقافي الجيِّد بين البلدين بعد أن حدثت أزمة نوفمبر 2009 بسبب «سوء الفهم وسوء التصرف وسوء الإدارة الإعلامية لها، فما حدث جاء بفعل تلفزيونات لا تعبّر عنا»، ومع كل ما حدث، فقد تم تجاوزُ الأزمة «لقد كان الاستقبال الشعبي مؤثراً؛ أنا منبهرٌ لرقي الشعب الجزائري وحبِّه لمصر، ولم أشعر أبداً بغربة في الجزائر».
إلى ذلك، كان الأديبُ الكبير جابر عصفور قد حل ضيفاً على الجزائر ليقدم محاضرة ويدلي بتصريحات صحفية عديدة، أبدى فيها ارتياحه لنهاية الأزمة وعودة العلاقات الرسمية والشعبية إلى «صفائها القديم» بعد أن تسبب فيها «بعض الحمقى منكم والكثير من الحمقى منا»، بحسب جريدة «الخبر» المحلية، وذكّر عصفور بالوشائج التاريخية بين الجزائر ومصر وكيف ساعد عبد الناصر الجزائرَ في ثورتها التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي وكيف اختلط الدَّم الجزائري مع الدم المصري في سيناء أثناء الحروب العربية - الإسرائيلية.
المصدر: الجزائر