"نحن نفوز بالحرب في أفغانستان"، كما يحدثنا الجنرال بترايوس. وفي الاتجاه نفسه صرح أوباما قائلاً إن نتائج تقرير مراجعة سياسات الحرب المعلنة في منتصف ديسمبر الحالي تشير بوضوح إلى أننا نمضي في الطريق الصحيح. ولا شك فيما قاله الجنرال والرئيس، إذ سيكون بوسعنا دائماً إحراز تقدم حربي بمدى السنوات والشهور التي نختارها لمواصلة هذه الحرب التي تعد أطول الحروب الأميركية على الإطلاق، إلى أن نقرر الخروج منها في نهاية الأمر، سواء كنا مهزومين أم مستنزفين فيها سياسياً، لنتساءل حينها عما حققناه بالفعل، مقابل كل الدماء والثروات الطائلة التي استنزفتها الحرب. والحقيقة أن المراجعة الرئاسية لسياسات الحرب لم تؤكد سوى ما يعلمه مسبقاً المراقبون لاستراتيجيتنا الأفغانية: صحيح أن بوسع قواتنا الفوز بأي معركة تستخدم فيها الأسلحة النارية ضد العدو. غير أن أميركا تظل غير آمنة، كما تظل أفغانستان بعيدة جداً عن أن تتحول إلى دولة ديمقراطية مستقرة ومزدهرة اقتصادياً. وبصرف النظر عن خفة أو ثقل وطأة قوات الاحتلال الأميركية والدولية هناك، فالمؤكد أنها سوف تستقطب من الأعداء والخصوم بقدر ما تقتل هذه القوات، ليس في أفغانستان وحدها، إنما في دول إسلامية أخرى كذلك. وبصرف النظر عن المساعدات المالية والاقتصادية التي نقدمها للشعب الأفغاني، فإن النظام الحاكم هناك، يبدو حكومة متهمة بالفساد أكثر منها نظاماً ديمقراطياً. وكيف للمرء أن يقيس ما أحرز من تقدم في مهمة ينبغي وصفها بقدر أكبر من الدقة على أنها ذات نتائج عكسية، وأنها انتهت إلى حرب لا ضرورة لها؟ فنحن في هذه المهمة لانزال نطارد ثلة صغيرة من فلول إرهابيي تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، الذين لم يعودوا يشكلون خطراً كبيراً على أمننا القومي، وقد تفرقت بهم السبل في تضاريس وزيرستان الشمالية وإقليم بلوشستان الواقعيْن داخل الحدود الباكستانية، بينما تواصل إسلام آباد اللعب على حبلي تحالفها مع واشنطن، وعلاقاتها مع "طالبان" في ذات الوقت! هذا وتنفق ميزانيتنا العامة سنوياً على أفغانستان نحو 700 مليار دولار، في حين لا يزيد إجمالي الناتج المحلي لأفغانستان على ملياري دولار في عام 2001 الذي غزوناها فيه. ولم تتحمل بلادنا تكلفة هذه الميزانية الضخمة إلا لأننا نعمل على مساعدة وتمويل كلا طرفي النزاع هناك -حكومة كابول والمتمردين عليها- علماً بأن الجزء الأكبر من هذه المساعدات يجد طريقه في نهاية الأمر إلى يد عناصر "طالبان" ولوردات الحرب الإقليميين الذين لا يؤيدون حكومة كرزاي المركزية في كابول. كما أن تعويلنا على الجهد الحربي أكثر من غيره، يصرف الأنظار والاهتمام عن جهود الدبلوماسية الإقليمية ومساعي التوصل إلى تسوية سياسية داخل أفغانستان. وبدلاً من أن نسلط جهودنا على مثل هذه الحلول، لا تزال الإدارة تحدثنا عن "إحراز تقدم حربي" رغم تعديل تقرير المراجعة الذي أشار إلى هذا التقدم المتوهم، وركز على موعد الانسحاب العسكري من أفغانستان بين عامي 2011 و2014. والحقيقة أن الجانب المفقود في تقرير المراجعة الرئاسية لسياسات الحرب، هو تكلفة الحرب. وتشمل هذه التكلفة ما يسميه الاقتصاديون بـ"تكلفة الفرصة"، أي ما نخسره بالاستمرار في هذه المهمة الحربية. ودون أي مبالغة أو تهويل، يمكن القول إن أميركا تتصدع وتنهار فعلياً. ذلك أن بنيتها التحتية الشائخة، تحولت إلى خطر جدي عليها. وبسبب تآكل البنية التحتية، تزهق اليوم أرواح المواطنين الأبرياء في كثير من الحالات، مثل انهيار جسر في مينيابولس أو نيو أورليانز، في حين تبتلع نظم الصرف الصحي كثيراً من السيارات الصغيرة في ولاية نيويورك. كما يذهب أطفالنا لتلقي تعليمهم في مدارس توصف بأنها تشكل خطراً على صحتهم العامة. وتهدر ساعات بكاملها عندما تتوقف القطارات القديمة فجأة وتعجز عن مواصلة السير في كثير من الخطوط. بل إن أبسط متطلبات الحضارة والحياة الحضرية، مثل وفرة المياه النظيفة، باتت مهددة بالخطر بسبب تآكل نظم توزيع المياه. وبالمقارنة، فقد تأخرت كثيراً نظم شبكة الكهرباء القومية، وشبكة الإنترنت السريعة، وكذلك نظام النقل الأميركي عن غيرها من النظم العالمية. وإذا ما أضفنا مبلغ الـ700 مليار دولار الذي ننفقه سنوياً على أفغانستان، إلى مبلغ الـ700 مليار دولار الذي تخسره الخزانة العامة جراء الخفض الضريبي المقرر لأغنى أغنياء أميركا، فإن هذه المبالغ توفر ثروة طائلة ومعينة على حل الكثير من مشاكل بنيتنا التحتية. وليس في وسع واشنطن الاستمرار في إهدارها دون مبرر. ومن أهم جوانب التكلفة التي غابت عن المراجعة الرئاسية للحرب، التكلفة البشرية للحرب. ورغم الإشادة الكبيرة بالتضحيات الجسيمة التي يقدمها الجنود المحاربون من كلا طرفي العملية السياسية في أميركا، سواء في ظل إدارة بوش السابقة، أم في ظل إدارة أوباما الحالية، ورغم الوعود بتحسين مستوى دخل الجنود وكذلك تحسين الفوائد التعليمية والصحية والنفسية لهـم، فعلينا أن نطرح السؤال الرئيسي: كيف لنا أن نطالب شبابنا ببذل أرواحهم أو تقديم تضحيات بدنية ونفسية في حرب يدركون خسارة بلادنا لها سلفاً؟ بل الأسوأ من ذلك، كيف نقنعهم بتقديم هذه التضحيات في حرب لا مبرر لها أصلاً؟ كاترينا فاندن هويفل محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»