اللص التائب محمد راشد جمع ملايين الجنيهات المصرية من تخصصه في سرقة الشقق الراقية بالقاهرة، وانتهت رحلته في السجن، إلا أنه قرر التوبة بعد الإفراج عنه وتنازل عن الأموال والمجوهرات التي سرقها لوزارة الداخلية التي كرمته ومنحته رحلة حج وخصصت له كشكا يعينه على كسب قوته من عرق جبينه. بعد خروجه من السجن بعدة سنوات، أصدر اللص التائب محمد راشد كتابا على نفقته الخاصة يروي فيه تجربته مع السرقة والتوبة، ويقدم فيه نصائح لساكني العقارات لحمايتهم من السرقة ودون رقم هاتفه لعل وسائل الإعلام تعيره الانتباه لكي يقص لأكبر عدد من الناس حكايته، أملاً في أن يكون سببا في توبة اللصوص. “لعبة الموت” لا يزال اللص التائب يتجول في الشوارع وإشارات المرور ليوزع كتابه رغم مرور سنوات على توبته حتى أصبح بالنسبة للكثيرين في الشارع وجها مألوفا بفضل البرامج التليفزيونية العديدة التي ظهر بها منذ خروجه من السجن. يقول راشد “أنا من مواليد 1962 بقرية العوامية مركز ساقلته في سوهاج بصعيد مصر ونشأت في أسرة تحت خط الفقر مكونة من والدي ووالدتي وستة أشقاء بينهم ثلاث بنات، لم أكمل تعليمي بعد المرحلة الرابعة في مدرسة المعلمين بسبب ظروفنا الصعبة، وبدأت معاناتنا بعد أن تركنا والدي ورحل للإقامة في القاهرة وتزوج أخرى بعد أن تحسنت ظروفه المادية، حيث كان يعمل في مجال الاستيراد والتصدير، ولكنه كان مسرفا وبدد أمواله على الملاهي الليلية”. ويضيف “بعد رحيل الوالد عن البيت، بدأت أبحث عن أي مصدر للحصول على المال لأسد جوعي وجوع أسرتي وكنت وقتها في الصف الأول الإعدادي، وذات يوم طرقت باب أحد جيراننا عدة مرات لكن لم يجبني أحد، فدخلت البيت ووجدت مجموعة من الدواجن في ساحته وسرقت عشر دجاجات وبعتها في سوق القرية ومرت السرقة بسلام، لكنها فتحت شهيتي للاستمرار في هذه النشاط”. ويتابع “ذات يوم شاهدت في التليفزيون فيلما أميركيا بعنوان “لعبة الموت” بطولة بد سبنسر وتشارلز برونسون ولعب فيه سبنسر دور لص محترف يتفنن في سرقة منازل الأثرياء، واستهوتني قصة الفيلم وقررت أن أتقمص شخصية البطل، وأسرق الشقق الفخمة في الأحياء الراقية بالقاهرة مثل الزمالك والدقي والعجوزة؛ لأنني كنت أعلم أن مثل هذه الأماكن لا يقطنها سوى الأغنياء، وكنت أحضر من الصعيد إلى القاهرة أثناء فترة الدراسة والإجازة الصيفية، وأسرق بعض الشقق وأعود مرة أخرى إلى مسقط رأسي وكانت الزيارة لا تزيد على يوم أو يومين”. حول أول شقة سرقها، يقول راشد “كان صاحبها أخرس وهي واقعة طريفة، فقد قررت سرقة شقة في الدقي وطرقت الباب أكثر من مرة ولم يرد أحد، فاعتقدت أن الشقة خالية فكسرت الباب ودخلت وفوجئت بشخص ضخم البنية يشبه أبطال المصارعة وأخذ في الصياح والصراخ محاولا الإمساك بي فأسرعت إلى خارج الشقة خوفا من أن يفتك بي”. ويروي موقفا طريفا آخر تعرض له، فيقول “صعدت إلى شقة في أحد الأبراج الشاهقة في حي الزمالك وكسرت الباب ودخلت وأغلقت الباب خلفي وأخذت أبحث عن أموال أو مجوهرات، ولكن فوجئت بجرس الباب يدق فأحسست برهبة وشعرت بأنني وقعت في المصيدة وأسرعت إلى الحمام محاولا الهرب عبر النافذة من خلال مواسير الصرف الصحي، إلا أنني وجدت النافذة مغلقة بأسياخ حديدية والأمر نفسه في المطبخ، ولم يكن أمامي سوى النظر من العين السحرية لباب الشقة ورأيت شخصا رجحت أنه محصل الكهرباء وقبل أن أفتح الباب تظاهرت بأنني صاحب الشقة وأن زوجتي بالداخل وقلت بصوت عال حتى يسمعني هذا الشخص من وراء الباب “مش قولتلك تعملي ملوخية بالأرانب النهاردة هو كل يوم محشي”، وفتحت الباب فوجدت الشخص وقلت له في عصبية “عايز إيه”، فقال لي “أنا محصل الكهرباء يا بيه” فأخذت منه الإيصال ودفعت له القيمة المطلوبة وقدرها 68 جنيها، والطريف أنني لم أعثر على أي شيء يستحق السرقة في الشقة وخرجت من المولد بل حمص بعد أن دفعت من جيبي 68 جنيها وتركت الإيصال بالداخل”. محاولات فاشلة عن أشهر الضحايا الذين سرقهم، يقول راشد “سرقت شقة الدكتور أحمد صوفي أبوطالب نجل رئيس البرلمان المصري الراحل صوفي أبوطالب، وأحمد عبدالحكيم عامر نجل وزير الحربية الراحل المشير عبدالحكيم عامر، وأيضا سفير مصر في بلجيكا سابقا سعد الفطاطري”. ويكشف عن أنه قبل اتجاهه للسرقة حاول الانضمام إلى فريق الكرة بالنادي الأهلي ليحقق حلمه في أن يصبح لاعبا شهيرا اعتقادا منه أن لاعبي كرة القدم يجنون أموالا طائلة، ولكنه فشل في تحقيق هذا الحلم. كما حاول البحث عن فرصة في مجال التمثيل والتقى بالفنان نور الشريف في بيته بعد أن زعم أنه ابن العمدة وجاء خصيصا من سوهاج لمقابلته وأبدى إعجابه بدوره في فيلم “دائرة الانتقام” الذي كان يعرض آنذاك وطلب أن يساعده في العمل معه بأحد الأفلام ورحب بذلك ووعده بإسناد دور له في أي عمل قادم، ولكنه صرف النظر عن هذه الفكرة لأن الفن لا يدر مالا مثل السرقة. ويرجع اللص التائب اتجاهه للسرقة إلى ضعف الوازع الديني لديه ونسيان الموت والحساب، بالإضافة إلى الاحتياج وأصدقاء السوء والفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء الذين كان يراهم من حوله يستقلون السيارات الفارهة ويقطنون الفيلات والقصور، في حين أنه لا يجد ما يسد جوعه. وعن الطقوس التي كان يتبعها قبل السرقة، يقول “كنت أحرص على ارتداء بدل فاخرة غالية الثمن أشتريها من أشهر المحال في القاهرة، ولم أكن أستعين بلص آخر، واشتريت سيارة فارهة واستأجرت سائقا لتوصيلي إلى المكان الذي أنوي سرقته، كما كنت أراقب حركة السكان في الدخول والخروج من العمارة التي بها الشقة التي أنوي سرقتها وأنظر من الخارج إلى الشرفات والشبابيك، وإذا وجدت شرفة ونوافذ الشقة مغلقة أصعد إليها ولا أستعين بمفاتيح أو أدوات لكسر كالون الشقة، ولكن من خلال دفع الباب بكل قوتي وإغلاقه خلفي بعد التأكد من عدم وجود أحد في الداخل ثم تبدأ رحلة البحث عن أموال أو مجوهرات، حيث كنت أسرق ما خف وزنه وغلا ثمنه”. يقول راشد “خلال سنوات قليلة استطعت تكوين ثروة طائلة من السرقة تقدر بملايين فاشتريت شقة ووضعت أموالي في بنكين أحدهما أجنبي أضع فيه العملات الأجنبية والآخر مصري، أما المصوغات والمجوهرات فقد كنت أبيعها إلى التجار في الصعيد بعد أن أدعي أنني ابن عمدة كبير في البلد”. ويتابع “نشاطي في السرقة تجاوز الحدود المحلية بعد أن سافرت إلى عدة دول عربية منها الأردن وقطر والسعودية التي كنت أسافر إليها تحت ستار أداء العمرة وتم القبض عليَّ وترحيلي إلى مصر”. ثروة طائلة وعن بداية رحلة التوبة، يقول “جاءني هاتف في المنام يقول هنرجعك للدنيا وهنشوفك تعمل إيه”، وعندما استيقظت من النوم سمعت أذان الفجر، وأديت الصلاة وقررت التوبة والتوقف عن السرقة بعد خروجي من السجن، وبعد أسابيع من الإفراج عني، استضافتني الإعلامية نجوى إبراهيم ورويت تجربتي في السجن وطلبت منها التوسط لمقابلة وزير الداخلية آنذاك عبدالحليم موسى بعد أن أخبرتها عن رغبتي في التنازل عن الأموال التي سرقتها”. وتابع “استقبلني الوزير في مكتبه بحفاوة وترحاب وأثنى على توبتي والتنازل عن حصيلة سرقاتي التي تقدر بخمسة ملايين جنيه، بالإضافة إلى عمارة وسيارة وسوبرماركت وكافأني برحلة حج إلى الأراضي المقدسة وتخصيص كشك لي على نفقة الوزارة”. ويقول راشد “لست مجرما ولكن المجرم الحقيقي والمسؤول الأول عما ارتكبته هو والدي؛ لأنه لم يتحمل المسؤولية تجاه أولاده وأهملنا وتركنا نعاني الجوع والحاجة؛ ما اضطرني للسرقة للإنفاق على أمي ومساعدة إخوتي ليكملوا تعليمهم ويتزوجوا”. وعن تجربة الزواج والطلاق في حياته، يقول “تزوجت أربع مرات الأولى كانت إحدى قريباتي وطلقتها في الصباحية (ثاني يوم زواج) والثانية تزوجتها عن حب بعد أن أعجبت بها؛ لأنها كانت أجمل فتاة في القرية، واستمر زواجي منها نحو عام ثم طلقتها نتيجة خلافات عائلية، ثم تزوجت من الثالثة بعد استقراري في القاهرة عقب التوبة، وأنجبت منها أربعة أولاد وبعد أربع سنوات طلقتها لأنها رفضت أن تتحمل العيش معي بعد خروجي من السجن، حيث اعتادت حياة الرفاهية أثناء مشوار السرقة، أما الرابعة والأخيرة فتعيش معي حاليا وأنجبت منها أربعة أولاد وهي زوجتي منذ سبع سنوات وهي بسيطة ومتواضعة وقنوعة”. ندم شديد يؤكد اللص التائب أنه نادم على اتجاهه إلى عالم الجريمة لأن ملايين الجنيهات لا تساوي شيئا مقارنة بقضاء ساعة واحدة خلف القضبان، مبينا أن تجربة السجن علمته أن الجريمة لا تفيد وأن المال الحرام لا ينفع ومن يعلم قسوة السجن سيفكر ألف مرة قبل ارتكاب أي جريمة، ويؤكد أنه لو كان استخدم ذكاءه في الدراسة بدلا من السرقة لأصبح شخصية ذات شأن كبير في المجتمع. ويقول راشد إنه بعد خروجه من السجن قرر كتابة تجربته في السجن والتوبة، حيث ذهب إلى الكاتب حلمي سالم، وسجل معه ثمانية شرائط كاسيت عن بداية رحلته في السرقة وتجربة السجن ثم التوبة وتم تلخيصها في كتاب طبعه على نفقته الخاصة بعنوان “العودة إلى الله ..اعترافات اللص التائب” يقوم بتوزيعه على السائقين في إشارات المرور بمبلغ عشرة جنيهات للنسخة الواحدة، وأثناء عرض الكتاب يحكي للناس كيف أكرمه الله بالتوبة، وأنه أعاد الأموال التي سرقها طوال السنين، ويطالب الجميع بأن يغفروا له ويقبلوا توبته. ويشير إلى أن الكثير من المشاهير اشتروا كتابه أثناء توقفهم في إشارات المرور وكانوا يطلبون منه التوقيع على الكتاب ومن هؤلاء الدكتور أسامة الباز، ورجل الأعمال محمد فريد خميس والفنانون نجلاء فتحي وفايزة كمال وهشام عباس ومصطفى قمر ولاعبو الكرة المعتزلون إبراهيم يوسف وطاهر أبوزيد ومصطفي يونس. ويضيف راشد “أحقق عائدا لا بأس به من بيع الكتاب يعينني على أعباء المعيشة الصعبة والإنفاق على أسرتي”. نصائح وأمنية عن نصيحته لحماية الشقق من السرقة، يقول اللص التائب محمد راشد “يجب عدم ترك قفل على باب الشقة لأنه يعطي إيحاء بعدم وجود أحد بالداخل، كما يجب ترك لمبة مضاءة وإدارة راديو على أي محطة لأن الإضاءة والصوت يعطيان أيضا إيحاء بوجود سكان داخل الشقة، كما يفضل أن يكون باب الشقة من الحديد وليس الخشب”. وعن أمنياته، يقول “أتمنى تقديم قصة حياتي في مسلسل أو فيلم كي يكون عبرة وعظة لمن مر بنفس التجربة التي مررت بها ولا انتظر أي مقابل لذلك كما أتمنى أن تخصص لي الدولة مقبرة لكي أدفن بها بعد رحيلي”. صوت شعبولا يشير محمد راشد إلى أنه بجانب الكتاب الذي أصدره ألف أغنيتين شعبيتين تتناولان تجربته في السرقة وعرضهما على المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم، وأعجب بهما وطلب منه أن يقدمهما في دويتو معه لكنه اعترض على ذلك بعد أن طلب أن يغنيهما بمفرده، فرفض واحتفظ بالأغنيتين على أمل أن يتراجع “شعبولا” عن موقفه ذات يوم ويوافق على تقديم الأغنيتين في دويتو.