كتب وليم شكسبير (1564 – 1616) رائعته «روميو وجوليت» في عام 1597، وهيمنت عليها ثيمات الحب الجارف والفراق والخلاص بالموت، وهي ثيمات رومانسية، شغلت وألهمت العديد من الكتّاب والأدباء والشعراء والروائيين والموسيقيين في معالجات متنوعة حول العالم.
عربيا وعلى سبيل المثال نجد أنّ رؤية «جبران خليل جبران (1931 – 1883)، تسند إلى الأدب مهمة التّعبير عن الكائن، فعالمه الروائي يتأسس على اجتياح الأنا للعالم، وأنّ هذه الأنا مؤسسة أنطولوجيا على القلب القائم مناقضاً للعقل، كما في «الأجنحة المتكسرة»، والأدب الذي تؤسس له هذه الرؤية، إنما هو أدب محكوم بالتعبير عن الحبّ، مهما تبدلت صور الحبيبة في النص التأسيسي: الحورية، الخطيبة أو العروس، وهكذا يتمفصل التحديد الجديد للأدب على صورة الحب.
الحبّ: تلك العاطفة الإنسانية التي تفعم قلب المرء إحساساً يسري ليجدد الحياة في عتمات القلب الحزين، ويعيد الدفء بعد جمود مخيف، ذلك الساحر العجيب الذي يضفي على صاحبه جمالاً آخّاذاً لما له من أثرٍ بالغٍ في النفس البشرية، وفي مجالات التعبير في المشهد الأدبي الإماراتي، نجد أنّه شغل مساحة واسعة وكبيرة، وبخاصة في المجال السردي، متخذاً أبعاداً وطنية عميقة وأصيلة، وتعبيراً غير مباشر عن ثيمة الحب بمفهومه التقليدي، تمثلت في توظيف مفهوم «الأرض المرأة» للتعبير عن اهتمام الروائيين وكتاب القصة القصيرة بقضايا أمتهم وأوطانهم وهويتهم نحو تعبير مشحون بالعاطفة صوب الطبيعة والبحر والأمكنة وغيرها، هذا المفهوم الذي يقوم على العناصر المشتركة بين الأرض والمرأة، فكلاهما رمز العطاء والتجدد والخصب والحياة، وتجلت هذه المعاني الإنسانية في رواية «ثلاثية الحب والماء والتّراب» للأديب علي أبو الريش، وهي عمل أدبي ملحمي رفيع بامتياز، يرصد ثيمة الحب في نمط إنساني يجعل من الطبيعة وهوية المكان مرتكزاً لهذه الثيمة في إطار رمزي وأساليب سردية متنوعة، ومحيط روائي ولغوي هادر بالقصص والحكايات، يقوم على الشخصيتين الرئيسيتين «أبو متراس وشامة – صراع الذكورة والأنوثة» وعلاقتهما ا بالطبيعة والمكان، ومع حضور كثيف للطبيعة وعناصرها عموماً في الرواية، فإن حضور شجر الغاف يكاد يمثل ما يشبه اللازمة أو التميمة التي تحمي الإنسان وتعطيه الحب والأمان، كما لو كانت أمه، فهي شجرة تجد حضوراً مميزاً في الأدب الإماراتي خصوصاً والخليجي عموماً، نقرأ أن: (الغاف لا يتحرك حتى لو هبت الريح العاتية فإنه يغرس سيقانه بصمود وجسارة ليبقى حارساً للأشجار الأخرى التي تهوي صريعة جراء العصف السماوي، الغاف لا يغيره التاريخ ولا يلوثه طقس، بل هو شاهد كل مجريات الكون المتغيرة والمتحولة).
الطائر بجناح أبعد منه
في أعمال ناصر الظاهري ثمة سرد بديع، ذات جودة عالية، فصياغاته هي الحب بعينه، كما أنها استشراف جميل، لكونها حياة في الحياة لمواجهة القبح والموت، على نحو ما نجده في روايته، الموسومة بـ «الطائر بجناح أبعد منه»، فالنساء فيها لهن خصائصهن، فهن لسن كالنساء العاديات، المطحونات في رتابة العمل اليومي، إن نساء الظاهري ينبثقن من ذاكرة شرقية خصبة، هي ذاكرة الأنثى المبتهجة، والمفتخرة بتلك الليونة التي منحتها إياها أسطرة الشرق، إنها أنثى الذاكرة الأبدية للذكورة، إنه في حكايته «الطائر بجناح أبعد منه» استطاع أن يخلع عن الأمكنة قسوتها ليؤنسن هذه الأمكنة بالحب المنكسر، ويمنحها طعم عناقه وطعم شهقة الطائر الذي استطاع فعلاً أن يذهب بجناح بسيط لطائر مرتجف إلى أبعد منه بكثير: (جلس ومعه كل مغامرات المدن ومع طيف تلك المرأة التي فرّت من يديه مرة، وكان يضمر لها شيئاً مختلفاً عن النساء، اليوم حين يراها مع طفليها اللذين يشبهان الشجر البري، وزوجها الذي يجب أن يقترن بممرضة، اليوم حين يراها، يرى فيها تلك النساء اللواتي يسمنّ ويغلظ عظمهن على أطراف المدينة، يحزن بعمق على الرحلات الجميلة، ويفرح أنه لم يكهن سفينتهُ ولم يدفنها).
ويقودنا القاص والروائي «محمد حسن الحربي» في قصته «عصافير الشتاء» من مجموعته «الخروج على وشم القبيلة» إلى ثيمة حبّ فريدة وغريبة، يتداخل فيها صراع فكري وحضاري، أما القص الروائي فتؤدية شخصية «سعود مغضوب» فنعرف أنه شاب من الإمارات يعيش مع فتاة فرنسية في بيتها في باريس، لكنه يعود سريعاً إلى صحرائه مشتاقاً.. فقد ترك النعيم وأتى إلى الصحراء التي يعشقها وتكشف القصة في محتواها عن اختلاف بين الحضارتين الغربية والعربية (الشرق والغرب) من خلال جملة من المواقف والأحداث صاغها الكاتب الحربي بحرفية عالية، من خلال مفردات التضاد والسرد الوصفي ما بين باريس وصحراء الإمارات. كما كتب الحربي عام 1968 رواية بعنوان «أحداث مدينة على الشاطئ» اهتمت أحداثها بتقديم حكاية عشق المكان، والمتتبع لأحداث هذه الرواية يكتشف أن الحربي قد ابتنى لنفسه مدينة من مدن الأحلام (مدينة من صنع الكاتب) كان يرتد إليها حبيباً وعاشقاً، وكأنها المرفأ الأمين كلما اضطربت فيه أو من حوله الحياة وهي مدينة «المريبضة».
آخر نساء لنجة
ثيمة الحب عند الروائية ريم الكمالي تتكئ على ظلال تاريخية، نجدها في روايتها «تمثال دلما»، وهي رواية تاريخية تكسر فيها الكاتبة الشكل الكلاسيكي، عن روح وعشق المكان في جزيرة دلما، إلى ما قبل 2000 سنة قبل الميلاد تقريبا، وتطوف بنا بين الحضارات المختلفة في ذلك الزمان، سومر ودلمون وماجان والسند، تبني عالماً متصوراً مستفيدة من معلوماتها التاريخية، لتصف لنا العلاقات الإنسانية بين الأمم القديمة، وفي سرد بديع تبني الكمالي شخصية» نورتا «بطل الرواية، وعشقه لحجارة المكان، وشغفه بالطبيعة المحيطة، وكيف يبني تمثالاً منذ ولادة الحجر.
وللشاعرة لولوة المنصوري رواية متوهجة صاغتها بلغة شعرية بديعة بعنوان «آخر نساء لنجة» استمدت تفاصيلها من التّاريخ المتخيل، وتتحدث عن متخيل تاريخي تتداخل فيه الملامح الراسخة للسكّان في رأس الخيمة، والولوج إلى ذاكرة العديد من النساء، وفي الرواية إشارة إلى علاقة حب نظيفة تشكّلت عبر الرسائل المتبادلة، تجمع بين«سالم» الذي يعمل مراسلاً صحافياً في بغداد أثناء الحرب، وقريبته الشابة «ميعاد» المولودة في جلفار، ويبدو في هذه العلاقة ذلك البوح الجميل عبر الرسائل والورق والخطوط المتأججة بلوعة الانتظار.
تتعرض رواية« شاهندة» الصادرة عام 1971، لمؤلفها راشد عبد الله النعيمي لموضوع البحث عن الحرية من خلال بطلتها الشّابّة شاهندة القادمة من الساحل الآخر إلى قرية الحيرة، وقد أحبت شابا من القرية يدعى محمود، وتمنت الزواج به رغم فظاظة والده الذي لا يجد حرجاً في المتاجرة بالبشر، ونود الإشارة هنا إلى سبب بقاء هذه الرواية وحضورها لأكثر من أربعة عقود، يعود إلى التقاط مؤلفها لثيمة حب عالمية تتمثل في الصراع بين العاطفة والجسد التي جسدها الكاتب الفرنسي بيير كورنيه «في مسرحيته الشهيرة «السّيد» التي قدّمت على الخشبة في نهاية عام 1636، وانتصر فيها للعاطفة، باعتبارها البعد الروحي والفلسفي للإنسان.
وفي رواية صالحة عبيد غابش «رائحة الزنجبيل» ثمة عاطفة حب استثنائية من نوع خاص، تجمع بطلة الرواية «علياء» بوالدتها وارتباطها الوثيق بها، فهي لا تجد في أمها وهي تقبل يدها إلا رائحة الحنان والحب والعاطفة النبيلة، خاصة وهي تحملها إلى المستشفى، فالرمز هنا يرتبط بمشاعر توشك البطلة أن تفقدها، وتجد نفسها فيما بعد وحيدة إلا في ذاكرة «الزنجبيل»، والإحالة هنا أيضا إلى فكرة البحث عن الأمان، والذي تفقده بطلة الرواية بالتدريج، علياء تعيش في هذا العصر وتبحث عما يبحث عنه كل إنسان، وهو الشعور بالأمان والحب والدفء الإنساني، والذي لا تجده إلا في تلك الرائحة رائحة الزنجبيل وأمها في ثنائية أدبية قلما تجدها على هذه الصورة المفعمة بالعاطفة.
وتواجه الكاتبة إيمان اليوسف بالحب كل صيغ الظلامية بروايتها «حارس الشمس»، وتدور أحداثها في مدينة الموصل العراقية، في إطار رومانسي فانتازي، مع ظهور تنظيم داعش، وعن محاولات بطل الرواية حسين منصور، الذي يعمل حارساً لمسجد النبي يونس، في الحصول على قطعة أرض يزرعها بنبات عبّاد الشمس لاعتقاده بأن لها قوة سحرية في مواجهة ثقافة الكراهية والعنف والتطرف، والتأكيد على الحب حينما يكون مصدراً للمحبة والأخوة والمواجهة.