محاولة روسية... هل يغادر الأسد؟
تقول روسيا إن الوقت قد حان من أجل القيام بجهد دبلوماسي آخر لتحقيق السلام في سوريا، ربما يأخذ شكل مؤتمر متعدد الأطراف في موسكو، لأن الثوار السوريين باتوا غير قادرين على حسم المعركة عسكرياً لصالحهم، ولأن الرئيس السوري بشار الأسد قد أكد لموسكو أنه على استعداد للتنحي إذا ما تم التصويت على ذلك.
وحول هذه النقطة قال نائب وزير الخارجية السوفييتي "ميخائيل بوجدانوف" في حديث لصحيفة "لو فيجارو" الفرنسية، عقب الاجتماع الذي عقده مع قادة المعارضة السورية في باريس، إن "بشار الأسد أكد بجلاء أنه إذا لم يكن الشعب السوري يريده، وإذا ما انتخب رئيساً آخر في انتخابات رئاسية، فإنه سوف يرحل". وأضاف بوجدانوف: "لم نقل أبداً في أي وقت إن إبقاء الأسد في السلطة يمثل شرطاً مسبقاً لأي مفاوضات... ولكننا نقول أيضاً إنه ليس من شأن الروس أو الفرنسيين أن يقرروا مصير الرئيس السوري".
وقال بوجدانوف أيضاً إن الوقت قد حان لمراجعة الاتفاق الذي تم التوصل إليه في يونيو من قبل الدول الكبرى في جنيف، والذي كان يتضمن تشكيل حكومة انتقالية مكونة من شخصيات رئيسية في النظام والمعارضة، وكتابة دستور جديد، والإعداد للانتخابات التي ستضع الأساس لتولي قيادة جديدة في البلاد.
وإلى ذلك يضيف "فيدور لوكاينوف"، رئيس تحرير مجلة "راشا إن جلوبال آفيرز"، وهي مجلة روسية رئيسية مهتمة بالشؤون الخارجية، قائلاً إن "هناك شعوراً يسود الآن في موسكو بأن روسيا تستعيد في الوقت الراهن أرضاً في المجال الدبلوماسي".
ثم يوضح لوكاينوف قائلاً: "منذ بدايات الصيف، وبعد أن استقال كوفي عنان من مهمته، قال الجميع إن الدبلوماسية قد استنفذت أغراضها، وإن روسيا سوف تضطر من ذلك الحين فصاعداً إلى تبني نهج يقوم على الظهور الخافت.
لكن ما نراه الآن هو أن روسيا تقوم بتجديد نشاطها، وأن تطورات الأحداث تثبت بأن المعارضة السورية غير قادرة على تحقيق النصر، وأنه على الرغم من الضعف الذي حلّ بالأسد إلا أن نظامه ما زال قوياً وقادراً... وهو ما يتيح الفرصة لموسكو كي تعود مجدداً، والنظر في إمكانية التوصل لتسوية سلمية".
ويشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حاول أثناء قمة آسيا والباسيفيكي للتعاون الاقتصادي إقناع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بإعادة النظر في اتفاق جنيف، وعلى ما يبدو فإنها قد رفضت محاولته.
وقد قالت كلينتون في تصريح للصحفيين على هامش القمة المشار إليها: "يجب علينا أن نكون واقعيين. فنحن لم نكن متفقين مع الروس في النظر لما يجري في سوريا... وهذا الوضع قد يستمر... وإذا ما استمر فسوف نجد أنفسنا مضطرين للعمل مع الدول التي تتفق معنا في الموقف والرؤية من أجل دعم المعارضة السورية للتعجيل بسقوط نظام الأسد".
ويشار إلى أن موسكو تتبنى موقفاً رسمياً تجاه الأزمة في سوريا يقوم على أن نظام الأسد قوي بدرجة لا يمكن معها إسقاطه، كما يتبين من النجاحات الأخيرة التي حققها الجيش السوري النظامي، حسب ما يوضح بعض الخبراء.
ويقول هؤلاء الخبراء أيضاً إنه على الرغم من كافة التصريحات الرسمية عن مساعدة الثوار، إلا أنه لا توجد هناك شهية للقيام بتدخل في سوريا مماثلـة لتدخل "الناتـو" في الأزمة الليبية، علاوة على أن هنـاك إدراكا متزايدا لدى الجمهور في الغرب لحقيقة وجود مقاتلين جهاديين وقوات لها ارتباط بـ"القاعدة" ضمن قوات المعارضة السورية.
وقال "بوجدانوف"، نائب وزير الخارجية الروسي في الحوار الذي أجرته مع "لو فيجارو"، إن روسيا مستعدة للتقدم في أي لحظة وتنظيم مؤتمر شامل يضم كافة الأطراف المعنية لوضع الدبلوماسية مرة أخرى على المسار، سواء تم عقد هذا المؤتمر في موسكو أو في أي مدينة أخرى".
وقال بوجدانوف إن الوقت "ينفد"، وإن البديل للحل الدبلوماسي هو اندلاع فوضى شاملة. ومع ذلك فإن التفاؤل ليس عميقاً في موسكو، فالجدل الدائر حول تطورات الأزمة في سوريا في الوقت الراهن يشبه إلى حد كبير الحوار العام الذي يدور منذ العام الماضي حول تلك الأزمة، أي حول المواقف المتغيرة في لعبة اللوم بين الشرق والغرب، وكذلك حول الوضع المتدهور في سوريا، كما يقول المحللون،
ومنهم "بيوتر رومانوف"، الخبير في وكالة "آر. آي. آيه- نوفوستي" الروسية الرسمية للأنباء، والذي كتب يقول: "إن موسكـو تدرك أن نظام الأسد سوف يطاح به في نهايـة المطـاف، وأن المسألـة مسألـة وقت، لكنها لا تعرف ما الذي تفعله حيال ذلك".
وأضاف رومانوف: "هناك وضع في لعبة الشطرنج يطلق عليه (زاجزوانج)، تؤدي فيه كل نقلة، بصرف النظر عن نوعيتها، لتدهور الوضع وجعله أكثر سوءاً.
وبالتالي فإنه حتى إذا ما رحل الأسد فسوف تبقى هناك عقدة كبيرة مكونة من عدد من الخيوط الممثلة لمصالح مختلفة ومتضاربة... بمعنى أن الوضع سوف يكون معقداً على نحو لا يتيح إمكانية التوصل لحل أو مخرج صائب وبلا أثمان باهظة، بل ويجعل الجميع حائرين لا يعرفون ما الذي يتعين عليهم عمله".
فريد وير
موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»