تمرير «ستارت الجديدة»... لحظة أوباما الحاسمة
تمثل جلسة التصويت لمجلس الشيوخ الأميركي على معاهدة "ستارت الجديدة" لحظة حاسمة بالنسبة لإدارة أوباما وامتحاناً حقيقيّاً لسياساتها الخارجية، فلو كسبت الإدارة الرهان ونالت دعم ثلثي أعضاء المجلس على الأقل للمصادقة على معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا فسيمكن للرئيس البناء على هذا المكسب لتعزيز سياسته الخارجية بعدما تعرضت لسلسلة من النكسات في ملفات أفغانستان وإيران وكوريا الشمالية وتراجع خططه الشاملة للحد من الأسلحة النووية. أما في حالة الفشل فستبدو الإدارة الأميركية في أعين كثير من العواصم العالمية على أنها ضعيفة ومنشغلة بالقضايا الداخلية التي تحول دون إدارة شؤون العالم.
وفي ظل اصطفاف القيادة "الجمهورية" في مجلس الشيوخ ضد المعاهدة خلال الأيام القليلة الماضية ستحسم المسألة في جلسة التصويت من قبل مجموعة من النواب "الجمهوريين"، بحيث كان من المنتظر أن يصوت المؤيدون لصالح المعاهدة لإنهاء النقاش وعدم تأجيله إلى فترة أطول، وهي الخطوة التي ستمهد الطريق لتصويت نهائي.
وكانت إدارة أوباما قد جعلت من مراقبة الأسلحة النووية والحد من انتشارها هدفاً رئيسيّاً لسياستها الخارجية، كما اعتبرت نهج "ضبط العلاقات" مع روسيا خلال العامين الماضيين أهم إنجاز حققته على الساحة الدولية، كما تعتقد أن التوقيع على معاهدة "ستارت الجديدة" والوصول بها إلى بر الأمان، وهي التي تفرض سقفاً على الرؤوس النووية بعيدة المدى وتخفضها بواقع 30 في المئة، هو أبرز محاور سياسة ضبط العلاقات مع روسيا، وتكتسي الاتفاقية أهمية أكبر بالنظر إلى النفوذ الروسي في أكثر من قضية من بينها علاقاتها الاقتصادية المتطورة مع إيران وتعاونها معها في مجال الطاقة النووية المدنية، هذا بالإضافة إلى دورها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ولذا يعتبر تعاونها مهمّاً لضمان موافقة طهران على الحد من برنامجها النووي.
وبعد عشرين عاماً من إنهاء روسيا لحربها في أفغانستان وخروج قواتها من تجربة دامية هناك عبرت مؤخراً عن رغبتها في التعاون مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتسهيل العمليات في أفغانستان، هذا فضلاً عن انخراط روسيا في المفاوضات المتقطعة مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي. ولا ننسى أن عملية التصويت على المعاهدة من قبل مجلس الشيوخ الأميركي تتجاوز تأثيراتها الساحة الداخلية وسط مراقبة العديد من الدول والأطراف العالمية لنتيجة التصويت التي ستحدد ما إذا كان في مصلحتهم التعاون مع أوباما أم لا، وهذا ما عبر عنه "بول ساندرز"، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية وباحث في مركز نيكسون بواشنطن بقوله: "في هذه اللحظة يحتاج أوباما إلى تحقيق فوز في سياسته الخارجية".
ويأتي التصويت على "ستارت الجديدة" في وقت تقيّم فيه القوى العالمية مدى قوة الإدارة الأميركية بعد الانتكاسة الأخيرة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وفي ظل فشل جهود أوباما في الدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، ففي إسرائيل على سبيل المثال أعلن بعض القادة السياسيين المحافظين أنهم يحثون حكومتهم على مقاومة الضغوط الأميركية لما يرونه من تراجع في شعبية أوباما وانحسار قوته في واشنطن، وقد أكد هذا الترقب العالمي لما ستسفر عنه مجريات التصويت على المعاهدة مساعد أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عندما قال إن العالم يولي أهمية قصوى لقدرة الإدارة على التوصل إلى اتفاقات، موضحاً ذلك بقوله دون الإفصاح عن هويته: "إن الأمر مهم جدّاً للقوى والأطراف العالمية فهم ينتظرون معرفة هل سينجح أوباما في تمرير المعاهدة؟، أم أن تمريرها سيتعثر؟". ولتفادي عرقلة المصادقة على المعاهدة والحد من تحفظات أعضاء مجلس الشيوخ "الجمهوريين" اقترح المجلس إدخال بعض التعديلات مثل الزيادة في عدد التفتيشات السنوية للترسانة النووية لكل من البلدين ثم الرفع من عدد منصات إطلاق الصواريخ النووية.
يُذكر أن معاهدة "ستارت" الأولى استغرق الوقت للمصادقة عليها ثلاث سنوات كاملة في التسعينيات، لكن أغلب الاتفاقيات الثنائية بين أميركا وروسيا مُررت بأغلبية ساحقة من قبل الحزبين معاً، وقد ظل العديد من المراقبين يتوقعون تمرير المعاهدة الحالية على رغم معارضة البعض، هذا وتحظى المعاهدة بتأييد واسع لدى المسؤولين السابقين في مؤسسة وزارة الخارجية سواء من "الجمهوريين" أو "الديمقراطيين"، بحيث تُعتبر خطوة تدريجية على طريق الحد من الأسلحة النووية لدى البلدين وتقليص أعدادها التي تعود إلى فترة الحرب الباردة ولم يعد لها من مبرر في الوقت الحالي، غير أن الصراع الداخلي بين الأجنحة السياسية المختلفة في الولايات المتحدة على المعاهدة أثار مخاوف المحافظين في روسيا، فقد يتسبب رفض الكونجرس المصادقة على المعاهدة في تأزيم العلاقة مع موسكو وسيجعل من الصعب ضمان تعاونها مستقبلاً في القضايا المتعلقة بالأسلحة النووية، أو بتلك المرتبطة بالتنسيق بين البلدين لإقامة نظام دفاع صاروخي مشترك كان محط نقاش بين البلدين في الفترة الأخيرة، وقد عبرت روسيا فعلاً عن انزعاجها من تأخير الكونجرس المصادقة على المعاهدة، حيث أكد المسؤولون الروس أنهم لن يبادروا إلى تبني المعاهدة ما لم يقم الكونجرس الأميركي بذلك أولاً، بل إن رئيس الوزراء الروسي بوتين، ذهب إلى حد التلويح ببناء القوة النووية الروسية إذا لم تصادق أميركا على المعاهدة، كما قال وزير الخارجية "سيرجي لافروف" في حديث أدلى به لوكالة "إنترفاكس" الروسية: "لقد تباحثنا في بنود المعاهدة على أساس من الندية وهي تجيب على جميع الأسئلة المرتبطة بالمصالح الروسية والأميركية".
بولا ريتشر وليزا ماسكارو - واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«إم. سي. تي. إنترناشيونال»