طلبة إماراتيون يستفيدون ثقافياً واجتماعياً من التجربة الفرنسية
تتواصل المنح التعليمية التي تحرص عليها الجهات التربوية في البلاد بهدف تقديم أكبر قدر من الفائدة إلى الطلاب الإماراتيين المتميزين على اختلاف اختصاصاتهم. وضمن قائمة الفرص المتاحة أمام شريحة الشباب لتعزيز مداركهم وفتح آفاق جديدة تمكنهم من الارتقاء بأفكارهم، تبرز الرحلات التثقيفية التي تنظمها السفارة الفرنسية لدى الدولة. وكان آخرها مجموعة برامج استفاد منها 20 مواطنا يدرسون في “جامعة الإمارات العربية المتحدة” و”جامعة زايد” و”جامعة السوربون - أبوظبي”.
بعد انقضاء إجازة الصيف التي كانت حافلة بالنشاطات الاستثنائية بالنسبة للشباب الإماراتيين الذين حزموا أمتعتهم وانطلقوا إلى باريس، كان لا بد من تنظيم مناسبة تجمعهم من جديد للاطلاع على انطباعاتهم حول هذه التجربة. واللقاء هذه المرة كان من داخل العاصمة أبوظبي، حيث دعا السفير الفرنسي لدى الدولة آلان أزواو المستفيدين من هذه المنح إلى نقاش مفتوح في مقر إقامته تخللته نقاشات واسعة عن الزيارة إلى فرنسا وكل ما أحاطها من أحداث.
صبغة دولية
مبادرة البعثات الدولية إلى فرنسا تندرج عموما حول مكافأة أفضل الطلاب الفرانكوفونيين بشكل سنوي، وذلك بمنحهم إقامة لهدف محدد في فرنسا. وقد جمع موسم العام الجاري، 160 شابا أتوا من 70 دولة حول العالم وقضوا فترات مختلفة في باريس ومحيطها تحت عنوان “فرنسا أرض الألعاب الأولمبية”. والغاية من ذلك الارتقاء باللغة الفرنسية من جهة حتى تصبح لغة أولمبية، ومن جهة أخرى إظهار المكانة المهمة لدور الرياضة في التربية. وتهدف هذه الإقامة التي تأخذ صبغة دولية، إلى اكتشاف ومعرفة الثقافة والحضارة الفرنسية من قبل شباب من جنسيات مختلفة ومن أصول ثقافية واجتماعية متنوعة. وأجمل ما في هذه البرامج التي تقدم الإفادة في قالب مرن، أنها تجمع بين السياحة والرياضة وكافة أشكال التعبير التي تحولها إلى تجربة لا تنسى.
ويورد الملحق الثقافي في السفارة الفرنسية دافيد برتولوتي، أن الطلاب الإماراتيين يستفيدون من هذه الفرصة في أكثر من طريقة. “ويكون ذلك عبر التقديمات التي توفرها السفارة واللجنة الدولية الأولمبية للمشاركة في هذه الإقامة الثقافية من المستوى العالي، حيث تتحمل السفارة والمعهد الفرنسي كامل النفقات. وكذلك عبر المنح اللغوية التي تقدم سنويا من قبل السفارة بالشراكة مع “جامعة الإمارات العربية المتحدة”، وعددها 3 منح لغوية لمدة شهر لطلاب اللغة الفرنسية في الجامعة المذكورة”.
دروس في اللغة
يشير الملحق إلى أن برنامج بعثة اللغة الفرنسية يتضمن إقامة ثقافية في باريس لمدة يومين، ودراسة اللغة الفرنسية على مدى 4 أسابيع في مركز “كافيلام” الذي يعتبر من أحدث مراكز التأهيل في مدينة فيشي. ويذكر أن الطلاب يتلقون 80 ساعة من الدروس في اللغة الفرنسية أثناء إقامتهم، أي ما يعادل 26 درسا من 45 دقيقة أسبوعيا، مما يسمح لهم تحقيق تقدم ملحوظ. وأكثر من ذلك فإن المركز يقترح على الطلاب إقامة نشاطات ثقافية وزيارات للمنطقة. وتكون إقامة الطلاب حسب رغبتهم، إما لدى عائلات فرنسية تستقبلهم وإما في المساكن الجامعية، حيث تتحمل السفارة كافة النفقات بدءا من التأشيرة إلى تذكرة السفر ووسائل النقل والسكن، وحتى المأكل والتأهيل. وقد استفادت طالبتان من “جامعة الإمارات” من هذه المنحة خلال نوسم الصيف الفائت.
ويشير الملحق الثقافي برتولوتي إلى برنامج آخر من المنح تحت عنوان “دروس صيفية في معهد باريس للعلوم السياسية”، والذي رأى النور في شهر يونيو الفائت نتيجة للاتفاقية التي وقعها كل من “مجلس أبوظبي للتعليم” و”المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية” و”معهد باريس للعلوم السياسية”، وذلك لصالح الإماراتيين الشباب. وتألفت المجموعة الأولى من المواطنين المستفيدين من 6 طلاب توزعوا ما بين “جامعة باريس السوربون - أبوظبي” و”جامعة زايد” و”جامعة الإمارات”. أقاموا في باريس من 4 حتى 22 يوليو وتمكنوا من متابعة برنامج تثقيفي أضاء على أوروبا ومؤسساتها الدولية. كما استفادت هذه المجموعة من الرحلة الفنية التي نظمتها وكالة فرنسا للمتاحف لزيارة متحف “اللوفر”. ويلفت الملحق كذلك إلى الدورات التدريبية التي تنظمها الشركات الفرنسية، بحيث استضافت شركتا “داسو” و”دكستر” الفرنسيتان 12 طالبا إماراتيا من “معهد التكنولوجيا التطبيقية” لإجراء دورة تدريبية متخصصة. ويتكفل المعهد بمصاريف هذه الدورات التي تهدف إلى إطلاع الطلاب على عالم الشركات الصناعية في بيئة تتصف بالتعددية الثقافية.
انطباعات وتجارب
على هامش اللقاء في دارة السفير، كان لـ”الاتحاد” حديث مع عدد من الطالبات اللاتي سافرن إلى فرنسا الصيف الفائت وعدن بانطباعات وفيرة. وإلى الأجواء الباريسية تنقلنا ميثاء النوري وهي طالبة في السنة الأولى حقوق وعلوم سياسية في جامعة “السوربون - أبوظبي”، أمضت في العاصمة الفرنسية 10 أيام تقول إنها من العمر. وتضيف “هي ليست المرة الأولى التي أسافر فيها، فأنا معتادة على السفر مع عائلتي، ولكنني هناك شعرت بنكهة مختلفة للثقافة. فأنا أتقن اللغة الفرنسية منذ صغري، والرحلة أضافت إلى شخصيتي الكثير، ولاسيما بعد زيارة المتاحف والاطلاع على ورشة التحضيرات للألعاب الأولمبية المقبلة على أرض أهم الملاعب الرياضية في العالم”.
من جهتها، تذكر أمل الخوري أن زيارتها إلى فرنسا كانت السفرة الأولى بالنسبة لها. والطالبة التي تدرس سنة ثالثة علوم سياسية في “جامعة زايد” تعرب عن فخرها بانضمامها إلى المجموعة الطلابية التي استفادت من ترشيح “مجلس أبوظبي التعليمي” للتعرف إلى مزايا الاتحاد الأوروبي. تقول “مع أنني لا أتكلم الفرنسية، غير أنني أعشق هذه اللغة وأنوي تعلمها في القريب العاجل. فعند زيارتي إلى المدن الفرنسية شعرت بالانبهار من عظمة هذه الحضارة، ولاسيما عند زيارتنا للمحافل الدولية واطلاعنا على النواحي الثقافية المتعلقة بسياسة اتحاد الدول الأوروبية”.
الثقافة المستدامة
الطالبة دانا الهاجري، التي تدرس سنة ثالثة تاريخ وسائل دولية في “جامعة السوربون - أبوظبي”، تتحدث عن أهمية البرامج التي استفادت منها خلال سفرها إلى فرنسا. وتشير إلى أن فريق الطلاب المستفيدين من المنحة خضع إلى دورات مكثفة في الاقتصاد والسياسة والثقافة، وذلك داخل “مؤسسة العلوم السياسية في باريس”. وكان محور البرامج الإضاءة على المؤسسات الأوروبية وطبيعة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. وتضيف “وسط هذه الأجواء المهمة تعرفت إلى هيكل المؤسسات الضخمة وإلى كيفية بناء القرار فيها وتشكيل الأنظمة وتطبيقها. وأكثر ما لفتني الزيارة التي قمنا بها إلى مدينة بروكسيل حيث التقينا بأعضاء البرلمان الأوروبي ودارت بيننا مناقشات قيمة لن أنساها ما حييت”.
وتعلق أحلام قاسم على أهمية المعارف التي اكتسبها جميع المشاركين بالرحلة إلى فرنسا، والتي اتسمت بحسب قولها بالثقافة المستدامة. والطالبة، التي تدرس سنة رابعة علاقات دولية في “جامعة زايد”، تذكر أن موضوع الهجرة وأثرها على الهوية الأوروبية، من أكثر العناوين التي استفادت منها خلال الرحلة. “فأنا أجد الكثير من الأبحاث في هذا المجال، وسأضيف إليها كل المعلومات الجديدة التي أشعر أنها يمكن أن تشكل إفادة وإضافة إلى مجتمعات دول الخليج”. وتؤكد أن سفرها إلى فرنسا أوضح لها أن الفرنسيين شعب مثقف يحترم مختلف الجنسيات ويقف على مسافة واحدة من مختلف المعتقدات.
توزيع الطلبة
الإماراتيون الشباب الذين استفادوا من الذهاب إلى فرنسا في إطار البرامج التثقيفية: 6 طلاب من “جامعة زايد” و”جامعة الإمارات العربية المتحدة” و”جامعة باريس السوربون - أبوظبي”، تابعوا دروساً صيفية في “معهد باريس للعلوم السياسية” في إطار الاتفاق بينه وبين “مجلس أبوظبي للتعليم” ضمن برنامج “لنذهب إلى فرنسا”، 12 طالبا من “معهد التكنولوجيا التطبيقية” أجروا دورة تدريبية في شركتي “داسو” و”نكستر”، إضافة إلى الفنانة فايزة مبارك التي أقامت في “مدينة باريس الدولية للفنون” والطالبة ميثاء النوري التي تقدمت إلى برنامج “لنذهب إلى فرنسا”.
أهمية استراتيجية
الاتفاق بين “مجلس أبوظبي للتعليم” و”معهد باريس للعلوم السياسية” تم توقيعه لمدة 3 سنوات، على أمل أن يزداد عدد الطلاب المستفيدين من المنحة. والهدف من ذلك تنمية معارف الشباب الإماراتيين حول الاتحاد الأوروبي وعلاقاته مع مجلس تعاون دول الخليج العربية، والتي تكتسب أهمية استراتيجية.
مدينة الفنون
تقدم “مؤسسة الإمارات” بالشراكة مع السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي فترات إقامة في فرنسا لصالح فئة الشباب والطلاب من الإماراتيين. ومن المنح البارزة في هذا المجال إقامة الفنانة فايزة مبارك في “المدينة الدولية للفنون” بباريس من 3 يونيو حتى 27 يوليو الفائتين. وهي المرة الأولى التي يقيم فيها فنان إماراتي ضمن هذه المدينة الفنية. ولقد سنحت هذه الإقامة لمبارك فرصة اللقاء بفنانين آخرين إضافة إلى زيارة المتاحف وصالات العرض الفنية في مدينة النور، وحضور مختلف الفعاليات الثقافية فيها. كما تسنى لها أن تعرض لوحاتها هناك على مدار 10 أيام.
المصدر: أبوظبي