الجزائر تنشئ وكالة لتفعيل عمليات زراعة الأعضاء البشرية
تعاني الجزائر تأخراً واضحاً في مجال زرع الأعضاء البشرية على الرغم من كل الإمكانات الطبية والمادية التي تتمتع بها، ويظهر التأخر بشكل واضح في مجالي زراعة القرنيات والكلى بالنظر إلى كثرة الطلب عليهما من آلاف المرضى.
قوننة الزراعة
بدأت زراعة القرنيات في الجزائر منذ العهد الاستعماري الفرنسي، وبعد استقلالها في صيف 1962، ورث فريقٌ طبي جزائري خاص بأمراض العيون هذه الجراحة عن الفريق الفرنسي المغادِر، تقول ذهبية حرطاني، رئيس مصلحة طب العيون بمستشفى مصطفى باشا، وهي إحدى رواد زرع القرنيات بالجزائر “بعد أن غادر الفريق الطبي الفرنسي، رفعنا التحدِّي وواصلنا إجراء عمليات نقل القرنيات من الموتى إلى الأحياء بصفة عادية، وأجرينا مئات العمليات بنجاح تام، إلا أن قانون الصحة الصادر في بداية عام 1985 دفعنا إلى التوقف تماماً عن إجرائها”.
ويحدد قانون الصحة لعام 1985، في مواده 164 و165 و166 شروط وكيفيات زراعة الأعضاء البشرية ويحظرها على العيادات الخاصة، كما يحظر المتاجرة بها ويجعل التبرع محصوراً بين الأقارب من الدرجة الأولى، ويمنع أخذ أي عضو أو نسيج من الميت دماغياً إلا بعد الحصول على موافقة عائلته. وبالنتيجة، تقول حرطاني “توقفت عمليات نقل القرنيات بصفة شبه كلية ولم نعد نُجري سوى عدد ضئيل جدا منها في السنة”.
وأدت هذه الوضعية إلى “تراكم” عدد المرضى الذين يحتاجون إلى زرع قرنية من سنة إلى أخرى، مما دفع وزارة الصحة الجزائرية إلى إرسال أعدادٍ منهم إلى اسكتلندا حيث كانت تُزرع لهم قرنيات هناك بالعملات الصعبة، وكبَّد ذلك خزينة الدولة أموالاً معتبرة، كما أن عدد الذين استفادوا من هذا الحل قليل، ما يعني أنه لم يكن حلاًّ عملياً.
تكلفة باهظة
بسبب تزايد عدد المرضى المحتاجين إلى قرنيات، فتحت عيادات خاصة في الجزائر العاصمة وعنابة وقسنطينة المجال لزرعها بعد استيرادها من الخارج، وسكتت وزارة الصحة عن ذلك برغم أن قانون 1985 يمنعها خارج إطار المستشفيات العمومية، وهذا بسبب إسهامها في حل المشكلة، إلا أن تكلفة زرعها باهظة وتبلغ ما يعادل 4 آلاف دولار للقرنية الواحدة، وهو مبلغ أعجز المرضى محدودي الدخل، ودفع كثيراً منهم إلى الاستنجاد بالصحف والإذاعات المحلية لتوجيه نداءات إلى المحسنين لمساعدتهم مادِّياً لإجرائها، وهنا اهتدت وزارة الصحة إلى استيراد القرنيات من الولايات المتحدة ودول أخرى منذ نحو 6 سنوات، وانتعشت عملياتُ الزرع مجدداً في المستشفيات، حيث تُجرى الآن نحو 80 عملية في السنة، ومع ذلك تطالب حرطاني بتعديل قانون 1985 في أقرب وقت قصد السماح بالاستفادة من قرنيات آلاف الموتى وزرعها للأحياء بعد أن بقي في قائمة الانتظار أزيد من 1500 مريض.
زرع الكلى
إذا كانت مشكلة زرع القرنيات شهدت بعض الانفراج باللجوء إلى الاستيراد في انتظار تعديل القانون، فإن مشكلة زرع الكلى بقيت تراوح مكانها منذ سنوات، إذ لم يتم، حسب أرقام للجمعية الجزائرية لأمراض وزراعة الكلى، سوى زرع 685 كلية للمرضى منذ بدايتها في عام 1986 إلى حد الساعة بينما هناك 13500 مريض يخضعون للغسيل الكلوي بانتظام، وهم بحاجة إلى عمليات زرع كلية ليستأنفوا حياتهم الطبيعية.
وانتعشت عمليات زراعة الكلى في السنوات القليلة الماضية حتى بلغت معدل 100 عملية سنوياً بحسب الجمعية، إلا أن رئيسها البروفيسور الطاهر ريَّان يؤكد، بمناسبة عقد مؤتمر طبي حول أمراض الكلى مؤخراً، أن العدد ضئيل بالنظر إلى كثرة عدد المرضى الذين ينتظرون عمليات الزرع، حيث يتعين إجراء 500 عملية على الأقل سنوياً لتلبية الطلبات المتزايدة؛ لاسيما وأن نحو 3500 جزائري يصاب بالعجز الكلوي النهائي سنوياً، وإذا كانت الجزائر توفر للمرضى آلات غسيل كلوي عبر 265 مركزاً عبر التراب الوطني، فإن ريتم عمليات الزرع لا يزال ضئيلاً، ما دفع نحو ألف جزائري إلى إجرائها بأموالهم الخاصة في الخارج.
ويرى ريان أن المشكلة لا تتعلق بنقص الكفاءات ولا الإمكانات والتجهيزات الطبية، بل بأسباب أخرى منها النقص الحاد في عدد المتبرعين الأحياء، حيث يقول “80 بالمائة من المرضى لم يجدوا من يتبرع لهم بكلية، ما يستوجب اللجوء إلى نقل الكلى من الموتى دماغياً في أقرب وقت”.
ثقافة التبرع
أعلن وزير الصحة الجزائري جمال ولد عباس مؤخرا، أن قانون الصحة الجديد الذي يتيح نقل الأعضاء من الموتى دماغيا “هو قيد الدراسة على مستوى الحكومة وينتظر تقديمه قريباً للبرلمان للبت فيه، وبعدها يتم فتح معهد طبي كبير لتكوين المزيد من الفرق الطبية المتخصصة في الزرع”.
وفي موازاة ذلك، أعلنت جمعية زراعة الكلى إنشاء وكالة لعمليات زرع الأعضاء البشرية تضطلع بمهام حصر المرضى الذين يحتاجون إلى أي عضو أو نسيج بشري، وحصر المتبرعين وكذا القيام بحملات واسعة لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة بين الجزائريين، ما يدفعهم إلى التسجيل في الوكالة، لاسيما أن فتاوى الفقهاء بالبلد لا تمنع مثل هذه العمليات وتقبل بـ”الوفاة الدماغية” ولا تشترط “الوفاة الكاملة” للحصول على الأعضاء.
وينص القانون الجديد على أن كل جزائري لم يرفض التبرع بأعضائه بعد وفاته بنص مكتوب، يعدُّ “متبرعاً آلياً” ويؤخذ عدم رفضه على أنه “موافقة” لنقل الأعضاء منه في حال وفاته دماغياً، وهو الإجراء الذي من شأنه أن يُحدث “ثورة واسعة” في مجال زراعة مختلف الأعضاء بالجزائر، وفي مقدمتها القرنيات والكلى والكبد والقلب والبنكرياس. ويلبِّي طلبات آلاف المرضى وينهي معاناة سنوات طويلة من الانتظار.
المصدر: الجزائر