لـو كانـت هنـاك أي شكـوك فـي أن المرشح "الجمهـوري" لانتخابـات الرئاسة القادمـة ميـت رومنـي ليـس سياسيـاً معتـدلاً "متخفيـاً" كما يزعم البعض، وإنما هو سياسي متحول حديثاً للتيار اليمينـي المتطرف في حزبه، فإن المفروض أن تكون تلك الشكوك قد تبددت الآن. فالخطوات الأولى التي خطاها "رومني" كمرشح رسمي عن حزبه تدل على أن ما نراه منه هو الذي سنحصل عليه فيما لو انتخب رئيساً. وحتى كبار "الجمهوريين" الذين يختلفون مع "رومني" حول بعض القضايا، مثل"إيلينا روس-لتينين" رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أخبروني أنه من غير المرجح لحد كبير أن يقوم رومني بتغيير مساره، إذا ما وصل إلى البيت الأبيض. في مقابلة أجريتها معها الأسبوع الماضي سألت"روس- لتينين" كيف يتسنى لها وهي الأميركية المنحدرة من أصول إسبانية أن تدعم مواقف رومني "الفظيعة"- كانت تلك هي الكلمة التي استخدمتها على وجه التحديد- تجاه قضية الهجرة. كنت أشير إلى معارضة "رومني" للقانون المعروف بـ"قانون الحلم"، الذي يتم بمقتضاه فتح طريق للحصول على إقامة قانونية في الولايات المتحدة لما يقرب من 1.8 مليون طالب، أدخلوا إلى الولايات المتحدة برفقة أهاليهم عندما كانوا لا يزالون أطفالاً رضعاً، وتربوا كأميركيين، ولدعوته لما يطلق عليه "الترحيل الذاتي" لما يقارب 11 مليون مهاجر من دون مستندات رسمية، وهي دعوة يخشى الكثيرون منا أن تصل إلى حد تجعل الحياة مستحيلة بالنسبة للأميركيين من أصول إسبانية بشكل عام، وبصرف النظر عن وضعهم القانوني. لشدة دهشتي ردت على"روس-لتينين" الجمهورية "المحافظة" التي تؤيد "رومني" بالقول: "أنا اتفق معك. فأنا أجد نفسي في موقف مناقض تماماً لموقف رومني في موضوع الهجرة، بيد أنني اعتقد مع ذلك أن الموضوع المهم في الانتخابات القادمة لن يكون هو الهجرة وإنما الاقتصاد وبعد ذلك توفير وظائف جديدة". وعندما سألتها عما إذا كان رومني قد لجأ إلى تبني مواقف متشددة حول بعض القضايا من أجل كسب الجناح المتطرف في حزبه، وإنه بمجرد أن يتم انتخابه رئيساً فسوف يتحرك نحو الوسط أي نحو الاعتدال قالت لي: "لا اعتقد أن أحداً سوف يعطي صوته لـ"رومني" وهو يعرف أنه يقول شيئاً في وقت الحملة وسيفعل شيئاً آخر مختلفاً تماماً عندما يصل للبيت الأبيض". أخبرني عدد من "الجمهوريين" المقربين من رومني أن اختياره لبول رايان، المفضل لدى حركة حزب الشاي، كنائب له على تذكرته الانتخابية، ومحتوى خطاب قبوله لترشيح حزبه في المؤتمر العام للحزب في تامبا يظهران بوضوح أن ميل "رومني" ناحية اليمين لم يكن محاولة مؤقتة لجذب أصوات المحافظين "الجمهوريين" المتشككين خلال الانتخابات التمهيدية، كما يعتقد كثيرون. رأيي في رومني باختصار أنه قد وضع نفسه في زاوية أيديولوجية لن يتمكن من الفرار منها لسبب بسيط وهو أنه ليس بمقدوره إعطاء المزيد من الذخيرة لهؤلاء الذين كانوا يرونه دوماً كشخصية متقلبة. فرومني مهتم للغاية في رأيي بهاجس إظهار أنه شخص" صلب "أو يمتلك" عموداً فقرياً قوياً "على حد وصفه. وآخر شيء يمكنه أن يغامر بفعله هو أن يخطئ في هذه اللحظة من الحملة خطئاً يكلفه غالياً مثل الخطأ الذي وقع فيه جورج بوش من قبل عندما خاطب جمهوره قائلاً: "اقرأوا شفتي … فلن تكون هناك ضرائب جيدة"، وهو تعهد ظل مقيداً به طيلة حياته السياسية. فـ"رومني" سيبـذل أي شيء، ويذهـب لأي حد لضمـان أنـه لـن يقـع فـي مثل هذا الخطأ . ذلـك لأن الخطر الذي يمكـن أن يتعـرض لـه إذا ما تقمص ذلك النوع من الحماسة التي يتصف به السياسي المرتد أكبر كثيراً من الخطر الذي يمكن أن يتعرض له إذا ما أصبح متقلباً حقيقياً مزمنـاً. أندريه أوبنهايمر كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي إنترناشيونال»