الجنرال الأبيض ينعش آمال السوريين بانتهاء موسم القحط
كست الثلوج دمشق وغالبية المحافظات السورية، وابتهج السوريون بفرح وغبطة بالزائر الأبيض الذي حل بينهم، إذ ارتدت الجبال والسهول والساحات والشوارع قميصاً أبيض زاهياً، فيما كان السوريون يبتسمون بسعادة، فقد جاء الثلج وهطل المطر بعد طول انحباس. هناك مثل شعبي سوري يقول: (أيلول ذنبه مبلول)، بمعنى أنه ما أن تحل الأيام الأخيرة من أيلول حتى يهطل المطر وتبدأ تباشير الشتاء، لكن أيلول (سبتمبر) انصرف دون أن يبتل ذيله، وأعقبه أكتوبر ونوفمبر وحل الثلث الأول من ديسمبر والناس يعيشون أجواء صيف مزوّر، حيث وصلت درجات الحرارة إلى ما فوق الثلاثين بدرجات، فلم يخلعوا ملابس الصيف، وحين سمعوا أن منخفضاً جوياً قطبياً في طريقه إلى المنطقة، لم يصدق بعضهم ذلك، لأن درجات الحرارة المرتفعة كانت تقول غير ذلك.
عاصفة قوية
فجأة هبت العاصفة الثلجية، وتساقطت الثلوج بغزارة شديدة، وانخفضت درجة الحرارة بشكل مفاجئ، لتصبح درجتين فوق الصفر، وبدل أن يتقي السوريون البرد المفاجئ في الغرف الدافئة، وقفوا على شرفات شققهم السكنية ليستمتعوا بمنظر الثلج، وهو يستولي بلونه الأبيض على كل شيء، واستمر الهطول لساعات طويلة متواصلة، فتوقفت الحركة في الشوارع ولم يذهب كثيرون إلى أعمالهم ووظائفهم، وألغيت جلسة التداول في سوق دمشق للأوراق المالية، وأغلقت الثلوج بعض الطرق، وفي الصباح التالي كانت سماكة الثلوج في شوارع وحدائق وساحات دمشق تصل إلى ما يزيد عن عشرين سنتميتراً، وناءت بعض الأشجار بأحمالها من الثلوج، فتكسرت أغصانها، كما اقتلعت العاصفة الكثير من الأشجار. ومع ذلك فما أن يتوقف تساقط الثلج لدقائق حتى كان الأطفال والكبار يهرعون إلى الساحات والشوارع ليتقاذفوا بالثلج، وهي لعبة السوريين المفضلة في مواسم الثلج التي اشتاقوا إليها كثيراً.
وبلغت سماكة الثلج في دمشق ما يزيد عن عشرين سنتمتراً، بينما وصلت في منطقة عرنة الجبلية إلى 150 سم، وفي سرغايا والزبداني إلى حوالي 70سم، وفي حينة إلى حوالي 50 سم. كما بلغت كميات الأمطار الهاطلة إلى 140 مم في بعض المحافظات السورية الساحلية والوسطى. ورغم أن الخير العميم من الثلج والمطر قد تسبب بتوقف حركة السفر بين المحافظات السورية، وأدى إلى حدوث سيول، وإلى وقوع أضرار في بعض المناطق، ومحاصرة قرى جبلية، إلا أن ذلك لم يقلل من فرحة السوريين بهذا الخير، لأنه يقطع موجة جفاف خطيرة، وينهي انحباس الأمطار الذي كاد أن يتسبب بكارثة اقتصادية على الإنتاج الزراعي والحيواني وعلى البيئة نفسها.
بلغة الاقتصاد
الثلوج والأمطار التي عمت سوريا مؤخرا لا تقدر بثمن، لأنها أوقفت تقدم كارثة محتملة مائية واقتصادية، فهي تنقذ ما يمكن إنقاذه من المزروعات البعلية كالقمح والشعير وأصناف الحبوب الأخرى، كما أنها ترفد المخزون الجوفي المائي الذي تناقص كثيراً نتيجة الجفاف، وترفد السدود باحتياطات مائية مهمة بعد أن تراجع مخزونها إلى حد كبير ومخيف.
وعلى صعيد البادية، فإن هذه الأمطار كانت ضرورية لإحياء الغطاء النباتي الذي تضرر نتيجة لانحباس الأمطار، كما أنها تسهم في إنقاذ الثروة الحيوانية التي تعتبر البادية السورية مرتعاً لها، حيث تشير الإحصائيات إلى أن موجة الجفاف التي شهدتها سوريا خلال السنوات الخمس الماضية أدت إلى نفوق 85% من الماشية في سوريا. كما أدت إلى هجرة نصف مليون نسمة من المناطق الشرقية إلى المدن بحثاً عن الرزق.
وبحسب مسؤولين سوريين مختصين، فإن سوريا تواجه وضعاً حرجاً وخطيراً بسبب الجفاف الذي تعرضت له على مدى أربع سنوات على التوالي، والذي لم تشهد له مثيلاً إلا سنة 1958، والتي يصفها كبار السن بأنها سنة “القحط”. وتتجه أنظار المسؤولين السوريين بقلق نحو المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، وهي الحسكة ودير الزور والرقة، والتي تشكل سلة الغذاء السورية، حيث يزرع في أراضيها الشاسعة القمح والشعير والقطن، كما تربى الماشية. وأصيبت هذه المنطقة بضربة موجعة نتيجة الجفاف، وتضرر القطاع الزراعي فيها، مما أدى إلى معاناة السكان، ودفع بالسلطات الحكومية لتقديم العون الغذائي لبعض سكان هذه المناطق ولوقف هجرة الكثير من الأسر. كذلك عملت السلطات على تأمين الأعلاف لمربي الأغنام لإنقاذ قطعانهم ومساعدتهم على الاحتفاظ بها. وهكذا فإن الثلوج والأمطار أسهمت في تعديل الوضع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهو ما يعني الكثير على صعيد حياة الناس، وعلى صعيد الإنتاج الزراعي والحيواني، بل وعلى صعيد توفر مياه الشرب.
المصدر: دمشق