هزاع أبوالريش (أبوظبي)
أكد سعادة الدكتور علي بن تميم، مدير عام «أبوظبي للإعلام»، أن الأيام الماضية كانت من الأيام العظيمة في تاريخ الإمارات، شهدت مبادرات مهمة وملهمة وأساسية في ظل الموجة الكبيرة من التنظير لمسألة التسامح في التاريخ العربي، والذي كثيراً ما كان يخلو من الممارسات المجتمعية.
وأضاف سعادته أن غياب المعالم الرمزية المعاصرة التي تشير إلى التسامح، تعد واحدة من المعوقات في تكريس هذا المفهوم، وتحوله من الإطار النظري إلى سلوك، بالإضافة إلى غياب الشخصيات الرمزية للتسامح في العالم العربي والعالم الذين يطلقون المبادرات ويلهمون الناس، ولعل الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وشيخ الأزهر، يمكن أن تؤسس لإحياء الفكرة الرمزية المعنية بروح التسامح.
جاء ذلك خلال ثاني لقاءات مجلس أبوظبي الإعلامي الثقافي الإذاعي، يوم أمس، بعنوان: «الأخوة الإنسانية»، والذي شارك فيه كل من سعادة الدكتور علي بن تميم، مدير عام «أبوظبي للإعلام»، وحمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، وسلطان العميمي، ناقد وباحث، مدير أكاديمية الشعر، وضيف الجلسة المفكر والناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي، وأدارت الجلسة بشاير المطيري، رئيسة تحرير مجلة زهرة الخليج، حيث كانت الجلسة الأولى خاصة بالتسامح.
وقال سعادة مدير عام «أبوظبي للإعلام»: «الممارسات في مجال التسامح كانت محصورة سابقاً على النخب، لتنزل الفكرة الآن إلى العامة، وما نراهُ ونشاهده ونقرأ عنه اليوم من فعاليات وأحداث شهدتها الدولة مؤخراً، تصب جميعها في إطار مفهوم التسامح، لتجعل منه أسلوب حياة، ومنهاج عمل». لافتاً سعادته إلى أن تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في ختام لقاء الأخوة الإنسانية «الكون يتسعُ للجميع، والتنوع مصدر ثراء»، يشير إلى دلالة أن الكون أكبر وأشمل ويختلف عن مصطلح العالم.
وقال سعادته إن ما تشهده الدولة اليوم وخلال العام الحالي، يمثل مرحلة تاريخية، أبرزها المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي شهد حضور مجموعة كبيرة من المفكرين ورجال الدين الذين ينتمون لديانات ربما يُسمع عنها للمرة الأولى، بالإضافة إلى إعلان وثيقة الأخوة الإنسانية التي تمثل حدثاً في غاية الأهمية، والقداس الأكبر في تاريخ دولة الإمارات الذي حضره أكثر من 180 ألف شخص، وقد يكون الأكبر في شبه الجزيرة العربية.
وأضاف الدكتور علي بن تميم أن إعلان بيت العائلة الإبراهيمية كان حدثاً مهماً، يسفر عنه بناء معلم كبير في جزيرة السعديات، كما جاء إعلان صندوق زايد العالمي للتعايش ليدعم ويعزز ثقافة التعايش السلمي والأحوال الإنسانية بين الشعوب. ولفت سعادته إلى أبرز النقاط التي تشكل بعضاً من التحديات بالإشارة إلى كتاب «الأديان الإبراهيمية، قضايا الراهن» للمفكر عز الدين عناية.
تحديات وتصميم
وأوضح سعادة الدكتور علي بن تميم، أن المدونات الفقهية ليست كفيلة وغير قادرة على تقديم منظومة للتعايش، لافتاً إلى أن التحدي يبدأ الآن في تضافر الجهود وإطلاق منظومات متكاملة في سبيل التعايش.
وأشاد سعادته بالمبادرات التي تبنتها دولة الإمارات، والتي ترمز إلى حالة التعايش، وواقع التآخي، حيث يأتي جامع الشيخ زايد الكبير مثالاً لما يُعطيه للعالم، والذي يعد واحداً من الجوامع الكبرى في العالم، ولعله الأول في العالم الذي يستقبل الأديان كافة، حيث إنه أحدث تحولاً ضخماً وفريداً ومميّزاً في سلوكيات البشر من زوار أجانب ومواطنين ومقيمين على هذه الأرض.
واستعرض سعادته خلال الجلسة مجموعة من الثوابت التي تضمنتها الوثيقة «وثيقة الأخوة الإنسانية»، حول الحديث عن قيّم السلام، وعن ثقافة التسامح، وحماية دور العبادة، وعن علاقة الشرق والغرب، وحقوق الطفل، وعن حماية الفئات الضعيفة في المجتمع، وحقوق المرأة، ومفهوم المواطنة، ونشر الأخلاق، وحرية الاعتقاد. مؤكداً أن كل ذلك لن يتحقق دون مواجهة فكرية وثقافية مع دعاة الإرهاب، ولهذا نحنُ اليوم بصدد تحويل التسامح إلى سلوكٍ حضاري مجسد في معانٍ، ومثبت بوثيقة في سبيل ممارسة إيجابية، وفي سبيل التوثيق لهذه الممارسة البناءة التي تصب في خدمة الإنسانية جمعاء.
الأخوة الإنسانية
وقال ضيف الجلسة المفكر والناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي، خلال مشاركته، إنه من الغريب أن يسأل البشر اليوم بعد مرور قرون وقرون على البشرية عن «الأخوة الإنسانية»، والذي يعد بحد ذاته كارثة رمزية على مستوى القيّم والمعاني.
وتناول معنى «الأخوة الإنسانية» الذي جاءت به دولة الإمارات، والذي من الضروري أن يكون سائداً بيننا، مستشهداً بمقولة «لا تنتشر علاجات الدواء، إلا إذا انتشر الوباء»، ما يعني ذلك أن الإمارات جاءت بالعلاج السليم والقويم للبشرية، وهي بأمسّ الحاجة له لأن تسترد عافيتها الإنسانية في ظل تعايشٍ شفاف كبياض الموجة الهادئة على ضفاف الشاطئ المنفتح على العالم، ولتساهم الفكرة في نبذ الحقد والكراهية والبغضاء والشحنات السلبية التي تجعل العالم مليئاً بالسوداوية، معتماً بالغيمة الرمادية الخانقة.
وقال الغذامي: «الإمارات ليست لديها مشكلة في مفهوم التسامح عكس دول كثيرة في المنطقة والعالم، لكون الإمارات كتلة واحدة موحدة من المؤسستين الرسمية والشعبية، ما جعلها تدرك أهمية التسامح ومعناه الحقيقي، ولهذا جاءت فكرة التسامح إلى المجتمع الإماراتي بكل سلاسة ومرونة، لأنها ليس لديها مشكلات في داخلها تعرقل مفهوم التسامح وتصعب من المسألة نفسها، أما بالنسبة للمجتمعات الأخرى فهناك تعقيدات كبيرة في داخلها، وأشخاص دفعوا ثمن تسامحهم وأزهقت أرواحهم لمجرد إعلان تسامحهم، ومن ضمن تلك الشخصيات المهاتما غاندي».
وأشار الناقد والباحث سلطان العميمي، مدير أكاديمية الشعر، إلى أن إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بأن تكون شجرة الغاف شعاراً لعام التسامح 2019، يحمل عمقاً كبيراً في دلالاته، دلالات ترتبط بالهوية وتاريخ هذه الشجرة عند الإنسان العربي.
وقال: «عرف العرب شجرة الغاف منذ زمن طويل وقديم جداً، ومن أقدم ما ذكر عنها ما قاله الشاعر امرؤ القيس في إحدى قصائده: يَقْطَعُ الغافَ بالخَصِينِ ويُشْلي.. قد عَلِمْنا بمَنْ يُدِير الرَّبابا، وأما بالنسبة للشعر المحلي أو القصيدة النبطية أقدم ما ورد فيها عن ذكر شجرة الغاف ينسب إلى الشاعر الكبير الماجدي بن ظاهر في إحدى تغاريده الشعرية.
ولفت العميمي إلى أن شجرة الغاف تعتبر من الأشجار الصديقة لابن الإمارات وللبيئة، وهي من الأشجار البرية التي تتحمل درجات الحرارة العالية والجفاف الشديد، وتستطيع العيش تحت ظروف قاسية جداً، لافتاً إلى أنها في الوقت نفسه تلعب دوراً مهماً في التوازن الطبيعي للبيئة الإماراتية الصحراوية، وهي ملاذ لطيور البيئة الإماراتية بشتى أنواعها.
وأوضح أن أوراقها وأغصانها تشكل غذاء الإبل، وهناك فوائد عديدة للتربة بوجود شجرة الغاف، بالإضافة إلى فوائدها للإنسان، والتي لا تعد ولا تحصى، لكونها محطة من محطات استراحة المسافرين للاستظلال تحتها من عناء السفر ومشقة الطريق.
وأشار إلى أن أشجار الغاف كانت تعد محطات في الطريق للاستدلال بها، ولهذا السبب ولأهميتها، فإن أغلب أشجار الغاف حملت أسماءً قد تعتبر معلماً من معالم الطريق. لافتاً إلى أن هناك الكثير من القصص المرتبطة بالتاريخ المحلي حول شجرة الغاف لارتباطها الوثيق بالإنسان الإماراتي، ابن الصحراء.
وبالنسبة للعلاقة التي تربط بين شجرة الغاف والتسامح، أوضح العميمي، أن طبيعة الشجرة في البيئة الإماراتية تحمل نموذجاً للتعايش والتوازن في دورة الحياة المحلية، حيث إن الطيور تسكنها، والإبل ترعى منها، والإنسان يستفيد منها، سواء في صناعة الأكل أو الاستراحة في ظلها أو حتى التجمعات البشرية التي قد تصير حولها في المناسبات والأفراح، وتجيء المحافظة عليها من قبل الإنسان لأهمية وجود مثل هذا العنصر المهم في حياته.
تجربة ملهمة
وتحدث في ختام الجلسة حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، عن تجربته الفريدة التي حظي بها خلال مرافقة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في الطائرة الرسمية لدى زيارته دولة الإمارات لكونه المواطن الإماراتي الوحيد الذي كان ضمن الوفد المرافق لقداسة البابا في وجود أكثر من 120 إعلامياً من مختلف وسائل الإعلام العالمية، من وكالات وصحف ومحطات تلفزيونية، ما جعله يشعر بالسعادة والفخر والاعتزاز لكونه موجوداً بينهم في لحظات مليئة بالمتعة.
وقال الكعبي: «التجربة كانت بالنسبة لي ملهمة جداً لما قرأته في أعين الموجودين في الطائرة عن تطلعهم لزيارة الإمارات ورؤية طبيعة الحياة المتطورة وإنجازات الدولة، وقد لمست الكثير من الاهتمام خلال الحوارات والنقاشات معهم».
وأشار حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد إلى أن ما قاله قداسة البابا فرنسيس عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أثار بداخله مشاعر الفخر والاعتزاز، حيث أبدى بابا الكنيسة الكاثوليكية إعجابه بالأب المؤسس الذي نجح في إنشاء دولة حديثة وشابة، تحرص على التطور والبناء بعد ما كانت صحراء قاحلة، وتتمسك في الوقت نفسه بجذورها وتراثها، وهو ما يؤكد تمتع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بالإصرار والعزيمة والروح المؤمنة الصادقة، على حد وصف قداسة البابا.