انطلاق قطار الصين «السريع» نحو الطاقة البديلة
تعتبر الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أكثر الدول إنفاقاً على الطاقة البديلة، ورغم ذلك يتوقع أن تظل تعتمد اعتماداً كبيراً على استهلاك الفحم، وتكون من أكبر ملوثي البيئة لسنوات طويلة مقبلة. وتطبق الصين سياسة التحول إلى الطاقة البديلة بكل جدية، وطالما عرف عن الصين اعتمادها الكبير على الفحم المستخدم في توليد أكثر من 70% من الكهرباء في الصين، غير أنها تنفق المليارات في أشكال طاقة الوقود كافة غير الأحفوري كالطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها حرصاً منها على تحسين صورتها بعد أن أضحت أكثر دول العالم إصداراً للغازات الدفيئة عام 2009.
ويقول يانج هونج زينج، منسق مجموعة بحوث الطاقة المتجددة بجامعة “بوليتكنيك هونج كونج”: “تعتبر الصين حالياً أكبر دول العالم استخداماً للطاقة المتجددة خصوصاً طاقة الرياح والطاقة الشمسية”. وأضاف أن الحكومة الصينية تنفق حالياً الكثير في هذه المجالات. وأنفقت بكين العام الماضي ما جملته 48,9 مليار دولار (179,61 مليار درهم) في الطاقة الخضراء ما يساوي تقريباً ربع إجمالي الإنفاق العالمي على الطاقة البديلة وأكثر من إنفاق أي دولة على تلك التقنيات، حسب تقرير أصدرته منظمات في شهر يوليو تشمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ويظهر جلياً حجم ما تعتزم الصين استثماره في خطتها الخمسية الثانية عشرة التي ترسم سياسات التنمية الوطنية حتى 2015.
وينتظر أن ترتفع سعة إنتاج محطات طاقة المياه بالصين من 210 جيجاوات نهاية العام الماضي إلى 290 جيجاوات خلال 5 سنوات، على الرغم من انتقاد العديد من خبراء البيئة ونشطاء المحافظة عليها هذا القطاع. كما يتوقع أن تبلغ سعة طاقة الرياح، التي زادت بمقدار 19,4 جيجاوات العام الماضي لتوصل الإجمالي إلى 42 جيجاوات، نحو 100 جيجاوات عام 2015 و150 جيجاوات بحلول 2020. كذلك ينتظر أن تزيد الطاقة الشمسية بالصين البالغة 7 جيجاوات إلى 10 جيجاوات بحلول 2015 وإلى 20 جيجاوات بحلول 2020.
كما أن في الصين مشاريع قيد التنفيذ لتصوير طاقة التلة الحيوية وطاقة المد والجزر والطاقة الجيوحرارية، فضلاً على ما تستثمره الصين بكثافة في محطات الطاقة النووية رغم ما يحيط بها من مخاطر السلامة نظراً لاستخدام الصين لتقنيات قديمة وبالنظر أيضاً لأن كارثة فوكوشيما باليابان وضعت علامات استفهام حول حجم الاستثمارات المقبلة في هذا القطاع. من المتوقع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من طاقات التقنيات الحديثة المتجددة أن تنتج 15% من الكهرباء بالصين بحلول 2020. وتشكل الطاقة الحرارية حالياً 73% من توليد الكهرباء في الصين، فيما تشكل الطاقة المائية 22%.
غير أن التوسع السريع لبعض قطاعات الطاقة المتجددة خصوصاً طاقة الرياح ترتب عليه بعض المشكلات، إذ تواجه شبكة الكهرباء الصينية صعوبة في نقل الكهرباء المتولدة من طاقة الرياح من المناطق الغربية غير الآهلة بالسكان إلى المناطق الشرقية والجنوبية بالصين كثيفة السكان التي تحتاج إلى الطاقة. وجاء في تقرير بحثي أصدرته هذا الشهر “ميلاني هارت”، المحللة المتخصصة في طاقة الصين وسياساتها المناخية بمركز “التقدم الأميركي”، أن مشكلة نقل الطاقة من الشرق إلى الغرب تشكل جزءاً من السبب وراء تكثيف الصين جهودها على الطاقة الشمسية، التي بلغ الإنفاق العالمي على مشروعاتها 81,5 مليار دولار العام الماضي”. وجاء في التقرير أن مشاريع الطاقة الشمسية ستكون في الغالب عبارة عن أنشطة صغيرة الحجم في مناطق الصين الشرقية والجنوبية وأن الصين تعلق الأمل على أن تحصل الشركات الخاصة الصغيرة الأكثر ابتكاراً على حصة أكبر من العقود الأمر الذي سيساعد على تشجيع التطوير التكنولوجي. وأشارت هارت في التقرير إلى أن “القادة الصينيين يراهنون على أن إسهام القطاع الخاص المتنامي سيعجل من تحول السوق نحو تقنيات طاقة شمسية أكثر تقدماً”.
ومع تزايد نشاط الاقتصادات واسعة النطاق ينتظر أن تنخفض تكاليف بعض أشكال الطاقة المتجددة. فحسب أحد تقارير الحكومة الصينية من المنتظر أن تقل تكلفة توليد الكهرباء باستخدام تقنيات الطاقة الشمسية في الصين دون 0,8 يوان (46 فلساً) لكل كيلووات ساعة وهي نفس تكلفة توليد الكهرباء من إحراق الفحم. وتطمح الصين في أن تقلص بحلول عام 2020 نسبة بصمتها الكربونية إلى ناتجها الإجمالي المحلي بمقدار 40 إلى 45% مقارنة مع مستويات 2005. كما أن السلطات في هونج كونج تشجع سكان المنازل على تقليل استهلاكهم من الكهرباء. ومن ضمن الإجراءات المقترحة استخدام فوانيس إضاءة ذات كفاءة عالية لا تستهلك سوى القليل من الطاقة. ويقول البروفيسور يانج: “في هونج كونج لدى الحكومة سياسة تشجع السكان على تبديل فوانيس الإضاءة التقليدية بفوانيس موفرة للطاقة”. ويضيف أن الحكومة استحدثت سياسات لتقييم مشاريع الطاقة المتجددة وتشجيعها. أما في الصين البر الرئيسي فإنه من الصعب تشجيع توفير الطاقة نظراً لأن الكهرباء مدعومة هناك. ويشير لاري تشو مدير مركز هونج كونج لدراسات الطاقة بجامعة “بابتيست” إلى أنه “في المدن الكبرى مثل بكين أو شنغهاي، أعتقد أن بعض السكان بدأوا يقلقون من مسألة توفير الطاقة غير أنه لا يوجد هاجس عام يساور الصينيين عموماً في هذا الشأن. ويضيف تشو أن السلطات الصينية تخشى من أنها إذا سعرت الكهرباء حسب ثمنها الحقيقي سيحرم بعض السكان من الكهرباء الأمر الذي سيثير تذمراً اجتماعياً. غير أن خبراء البيئة
ربما لا يجدون ما يطمئن في المسار الذي تنتهجه الصين في شأن الطاقة عموماً رغم استثماراتها الهائلة في تقنيات الطاقة البديلة. صحيح أن نسبة الطاقة المتولدة من الفحم في الصين مرشحة للانخفاض بمقدار 9% خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب جماعة المناخ التي تعد إحدى منظمات الضغط الدولية في مجال البيئة وحمايتها من التلوث، إلا أن كمية الفحم الفعلية ستزيد نظراً لأن إجمالي استهلاك الطاقة مستمر في الارتفاع.
وبحسب إدارة الطاقة الوطنية الصينية، بلغ استخدام الصين من الطاقة العام الماضي ما يعادل 3,2 مليار طن فحم، وتوضح الأرقام التي نشرتها شركة “بي بي” البريطانية أن احتياج الصين للطاقة زاد بنسبة 11,2%. ويقول البروفيسور تشو: “يتوقع أنه حتى بحلول منتصف القرن سيظل الفحم يشكل نحو 50% من كل الطاقة في الصين. صحيح أن النسبة التي يشكلها الفحم ستقل وستزيد النسبة التي تشكلها الطاقة المتجددة، غير أن الطاقة المتجددة تبدأ أصلاً من قاعدة صغيرة”. ويوضح تقرير مركز التقدم الأميركي أن هناك مقاومة كبيرة من قبل شركات توليد الطاقة بالصين إزاء التحول إلى أشكال من الطاقة غير الفحم بسبب ارتفاع تكاليفها.
وهناك اهتمام أكبر حالياً بما يسمى الفحم النظيف وبتقنية حصر الكربون وتخزينه بمحطات الطاقة الجديدة، غير أن نقص كفاءة هذه التقنيات بنسبة 25% مقارنة بالفحم التقليدي يجعلها أقل اجتذاباً لشركات الطاقة.
نقلاً عن: «ذي ناشيونال»
ترجمة: عماد الدين زكي