أزمة ديون «منطقة اليورو» تلقي بظلالها على الاقتصاد المصري
بدأت الأزمة المالية التي تجتاح عدداً من البلدان الأوروبية تلقي بظلال سلبية على الاقتصاد المصري لا سيما في ظل حالة الترابط والتداخل الشديد بين الاقتصاد المصري بمعظم مكوناته والاقتصاد الأوروبي، حيث تعد أوروبا الشريك التجاري الأول لمصر.
وتزداد هذه الآثار بمرور الوقت على ضوء انفجار الوضع المالي في اليونان واقتراب الأزمة من اقتصادات إيطاليا وفرنسا، وهي الدول الثلاث التي تمتلك مؤسسات مالية وصناعية في السوق المصرية، إلى جانب ارتفاع معدلات التبادل التجاري بين مصر وهذه الدول. وتتوزع هذه الآثار على عدة قطاعات اقتصادية في مصر لتشمل تراجع الصادرات المصرية خاصة الصناعية والزراعية إلى الأسواق الأوروبية وتراجع الاستثمارات في مصر، بينما تفكر عدة مؤسسات مالية أوروبية، بنوك على وجه الخصوص، أما الانسحاب من السوق تحت وطأة ضغوط تتعرض لها المراكز الأم في العواصم الأوروبية أو بيع وحداتها التابعة لها في مصر إلى مؤسسات استثمارية أخرى سواء كانت أوروبية أكثر قدرة وملاءة مالية أو مؤسسات أسيوية وأميركية.
وشهدت الأيام الماضية إقدام بنك “بيريوس” اليوناني على بيع البنك التابع له في مصر “بيريوس مصر” إلى بنك “ستاندر تشارتر” البريطاني، حيث بدأ الأخير بالفعل مراحل التفاوض النهائية لشراء البنك بعد أن انتهى من عمليات الفحص النافي للجهالة.
في الإطار نفسه، تتعرض بنوك “الأهلي اليوناني” و”كريدي أجريكول” و”الأهلي سوسيتيه جنرال” و”بي إن بي باريبا” الفرنسي وبنك الأسكندرية التابع لمجموعة “انتسا سان باولو” الإيطالية لضغوط تشغيلية ناتجة عن الضغوط التي تتعرض لها البنوك الأم في أثينا وباريس وميلانو. وعلى الرغم من عدم اعتزام أي من هذه المجموعات المصرفية العالمية الكبرى الخروج من السوق المصرية، إلا أن الأزمة المالية التي تعصف باقتصاديات البلدان التي تعمل بها هذه البنوك وتتعرض بعضها لما يسمى بالانكشاف على أزمة الديون اليونانية والأسبانية وأصبحت مطالبه بتكوين مخصصات ضخمة ورصد رؤوس أموال جديدة لتغطية قروضها المتعثرة لدى شركات تعرضت للإفلاس، مما أثر سلباً على الخطط التوسعية لهذه المجموعات في السوق المصرية وعلى دعم أداء وحداتها التابعة في مصر وتجلى ذلك في نتائج أعمال هذه الوحدات التي جري إعلانها خلال الأسبوعين الماضيين.
وتؤكد الدكتورة أمنية حلمي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ضرورة أن تتعامل الحكومة المصرية بالجدية مع الأزمة الاقتصادية الأوروبية نظرا لدرجة التداخل والترابط الشديد بين مصر وأوروبا باعتبار أوروبا الشريك التجاري الأول لمصر والوجود الكبير لمؤسسات مالية أوروبية مهمة في السوق المصرية والتي تشمل بنوك فرنسية وإيطالية وبريطانية ويونانية وشركات استثمار مباشر في مجالات الطاقة وتكنولوجيا الاتصالات والنقل والإسمنت وغيرها من المجالات الاقتصادية الحيوية. وتقترح حلمي تشكيل لجنة لإدارة الأزمة تضع في اعتبارها كل السيناريوهات المحتملة وآليات المعالجة الأوروبية لأزمة المديونيات الحكومية هناك؛ لأن بعض الأليات التي سيجري اعتمادها ربما ستكون ذات تأثير مباشر على مصر مثل فكرة “السندات الأوروبية” التي يجري دراسة إصدارها بضمانة الحكومات الأوروبية غير المدينة لسداد مديونيات كل من اليونان وإسبانيا فهذه السندات سوف تسحب سيولة كبيرة من الأسواق والمؤسسات المالية الأوروبية التي قد توقف بعض توسعاتها واستثماراتها في مصر، الأمر الذي يعني أن التأثير الأكبر سوف يكون في مجال الاستثمار الأجنبي.
أما الأثر الأكثر سلبيه على أوضاع الاقتصاد المصري من جراء الأزمات الأوروبية، فهو المتعلق بسعر صرف اليورو وتعرضه لضغوط شديدة أمام العملات الدولية الأخرى وفي مقدمتها الدولار لا سيما أن هناك اتجاه لانسحاب اليونان من التعامل بالعملة الأوروبية والعودة للتعامل بعملتها الوطنية القديمة “الدراخما” مما ينذر بتخفيض قيمة اليورو. وتأثرت موارد الشركات المصرية التي تصدر منتجات إلي أوروبا سلباً نتيجة الهزات العنيفة التي يتعرض لها اليورو كما تأثرت استثمارات غرف المعاملات الدولية في معظم البنوك المصرية بهذه الهزات.
على صعيد القطاع السياحي، بدأت الأسواق التقليدية الموردة للسياحة المصرية في إيطاليا واليونان في التراجع وانخفاض أعداد السائحين القادمين لمصر من هذه البلدان، الأمر الذي تجسد بصورة ملموسة في بعض المقاصد السياحية التي تعتمد بنسبة كبيرة على السياحة الإيطالية واليونانية خاصة في الغردقة وشرم الشيخ، حيث السياحة الإيطالية التي تتصدر زائري هاتين المنطقتين، وفي مرسى علم والعين السخنة وهي المناطق المفضلة للسياحة اليونانية.
من جانبه، يشدد محمد الديب، العضو المنتدب لبنك “الأهلي سوستيه جنرال”، على متانة أوضاع المؤسسات المالية الأوروبية العاملة في السوق المصرية سواء كانت فرنسية أو إنجليزية أو إيطالية نظراً لأن هذه المؤسسات تعتبر وجودها في مصر نوع من الاستثمار الاستراتيجي. واستبعد تأثر هذه المؤسسات بما يجري في العواصم الأوروبية نظراً لأن هذه المؤسسات تعمل بشكل مستقل عن المراكز الأم وتمتلك رؤوس أموال وميزانيات مستقلة وبالتالي فهي تعمل وفق ظروف السوق المحلية أكثر من ارتباطها بأوضاع السوق الدولية أو المراكز الرئيسية لها في أوروبا.
ويؤكد الديب أن التأثير المحتمل للأزمة الأوروبية على مصر ينحصر في الصادرات والسياحة نظراً للطبيعة الحساسة لهذين القطاعين أما الاستثمارات الأوروبية في مصر فلن تتأثر لأنها استثمارات طويلة الأجل وتتركز في مجالات حيوية وبالتالي يجب أن تنصرف جهود مواجهة الأزمة إلى قطاعي الصادرات والسياحة.
وبالتوازي مع تأثر قطاع السياحة يأتي التأثر الأكبر في قطاع النفط والطاقة المصري، حيث تستحوذ الشركات الأوروبية العاملة في هذا المجال، “شل” و”بريتش بتروليوم” البريطانية و”إنبي” الإيطالية و”توتال” الفرنسية، على نصيب الأسد في هذا القطاع وتتصدر استثمارات هذه الشركات المستقبلية قائمة الطموح المصري في هذا المجال، حيث تبلغ الاستثمارات المستقبلية لشركة “بريتش بتروليوم” بمفردها نحو عشرة مليارات دولار سوف يجري إنفاقها خلال السنوات الخمس المقبلة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في المياه العميقة بالبحر المتوسط وبعض الحقول في شمال الدلتا.
وبحسب خبراء في قطاع النفط فانه من المنتظر أن تتأثر الاستثمارات المستقبلية النفطية للشركات الأوروبية بالأزمة المالية العاصفة التي يتعرض لها الاقتصاد الأوروبي بصفة عامة، ويتوقع الخبراء تباطؤ في استثمارات هذا القطاع في مصر خلال الفترة المقبلة. رغم تسهيلات عديدة قدمتها حكومة عصام شرف لتنشيط الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع. خاصة وأن هذه الشركات كانت تعتمد في خططها الاستثمارية المستقبلية على الحصول على قروض وتسهيلات ائتمانية من البنوك المنتمية لجنسيات هذه الشركات، الأمر الذي يعني أن تأثر أعمال هذه البنوك في مصر بالأزمة الأوروبية سوف ينعكس بطبيعة الحال على استثمارات الشركات الأوروبية في مصر.
ويرى خبراء اقتصاديون ومتعاملون مع السوق الأوروبية أن الآثار السلبية للأزمة الأوروبية على الاقتصاد المصري سوف تزداد وطأتها أكثر في المرحلة القادمة نظرا لاستحكام الأزمة الأوروبية واعتزام بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها اليونان وسويسرا الانسحاب من العملة الموحدة “اليورو” والعودة للتعامل بالعملة الوطنية لكل منهما الأمر الذي يعني تخفيض جديد لسعر صرف اليورو مقابل العملات الدولية الأخرى وفقدان جاذبية اليورو كعملة احتياطي وتبادل تجاري دولي.
ويؤكد هؤلاء الخبراء ضرورة سرعة اتخاذ إجراءات وتدابير احترازية من جانب البنك المركزي المصري ووزارة التجارة لمواجهة سيناريوهات تطور الأزمة الأوروبية على ضوء تقارير تشير إلى اقتراب الأزمة من فرنسا وإيطاليا الأكثر تعاملاً مع السوق المصرية حيث أن تأثر مصارف وشركات كبرى في هذين البلدين سوف ينعكس فوراً على تعاملات هذه المصارف والشركات في السوق المصرية، خاصة وأن “اليورو” كانت قد بدأ يحتل أهمية متزايدة في التعاملات التجارية الدولية لمصر في السنوات الأخيرة.
وكان البنك المركزي المصري قد قام مؤخرا بتنويع سلة الاحتياطي الدولي من النقد الأجنبي وإدخال “اليورو” كعملة رئيسية في مكونات هذا الاحتياطي الى جانب الدولار الأمر الذي يعني أن تراجع قيمة اليورو سوف تؤثر على قيمة جانب من الاحتياطي النقدي لدى المركزي المصري لا سيما أن هذا الاحتياطي تأثر كثيرا بالسلب منذ أحداث ثورة 25 يناير، وانخفض من 36 إلى 25 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأخيرة لأسباب متنوعة أبرزها خروج استثمارات أجنبية ضخمة من البورصة المصرية في أعقاب الثورة.
تأسيس 131 شركة في مصر خلال أسبوع
القاهرة (وكالات) - أعلنت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المصرية أمس تأسيس 131 شركة جديدة الأسبوع الماضي مقابل 118 شركة، تأسست خلال الأسبوع السابق عليه بمعدل يومي بلغ 26 شركة.
وقالت الهيئة، في بيان، إن قائمة الشركات الجديدة التي تم تأسيسها شملت 32 شركة صناعية و2 سياحية و44 خدمية و8 في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و2 زراعية و3 في المجال الإنشائي و40 متعددة النشاط. وتنوعت الأشكال القانونية للشركات الجديدة ما بين 35 شركة مساهمة مصرية و41 شركة ذات مسؤولية محدودة و7 شركات تضامن و14 شركة توصية بسيطة و34 منشأة فردية. وأشارت الهيئة إلى أن رأس المال المصدر لهذه الشركات بلغ 132 مليون جنيه مصري.
المصدر: القاهرة