جرائم ضد النساء··· حرب لا يعرفها الكثيرون
تحية من منطقة حرب ليست العراق ولا أفغانستان؛ فأنا في غرب أفريقيا حيث أعمل مع النساء في ثلاثة بلدان متجاورة كانت جميعها ضحية للحرب الأهلية، ليبيريا وسيراليون وساحل العاج، لا شك أنكم تتذكرون هذه النزاعات، فقد أتت حرب ليبيريا على شكل ثلاث موجات متلاحقة، واستمرت من 1989 إلى ·2003 واندلعت حرب سيراليون في 1991 حين غزت ميليشيات ''الجبهة المتحدة الثورية'' لسيراليون، التي كانت تتلقى تدريبها في ليبيريا، فجلبت الحرب كثيراً من اللاعبين واستمرت عقداً من الزمن حتى يناير 2002؛ أما في ساحل العاج، فقد اندلعت الحرب في 2002 عندما قام المتمردون الشماليون بمحاولة انقلابية لتنحية الرئيس ''لورانت غباغبو''، وبعد تدخل دولي تم توقيع اتفاق سلام في ·2003
بالرغم من أن ليبيريا وسيراليون وساحل العاج توصف رسمياً اليوم بأنها ''مناطق مرحلة ما بعد النزاع''، إلا أنها في الواقع جد منقسمة ومتأثرة، وفي حالة ليبيريا وسيراليون، جد مدمرة وفقيرة، إلى درجة أنه لا يمكن أن يقال عنها إنها في سلام أكيد· فقد انتزعت سيراليون من أفغانستان مرتبتها بأسفل قائمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية التي تقيس الأمية والصحة والفقر، وعلى غرار أفغانستان، فإنها بلد يعج بالأرامل· ومن بين كل الذين عانوا الحروب وويلاتها بغرب أفريقيا، فإن المدنيين هم من دفع أغلى ثمن، حيث تم استهدافهم وترهيبهم بصفة خاصة كتكتيك من تكتيكات الحرب، فهُجروا ونفوا واختطفوا وهوجموا وعذبوا وجرحوا وشوهوا وقتلوا، ومن بين كل المدنيين الذين عانوا كثيراً، فإن النساء هن اللاتي عانين أكثر؛ واليوم، مازالت ملايين النساء في هذه البلدان الثلاثة الواقعة في غرب أفريقيا يكافحن من أجل استعادة عافيتهن، إلا أنهن يرين أن الحروب لم تنته أبداً في الواقع·
ولفهم الأسباب، لنتأمل وصف منظمة العفو الدولية في مارس المنصرم لأصغر حروب غرب أفريقيا، الحرب الأهلية القصيرة نسبياً التي عصفت بساحل العاج: ''تم التقليل من نطاق الاغتصاب والعنف الجنسي (في ساحل العاج) خلال النزاع المسلح؛ والحال أن الكثير من النساء كن ضحايا للاغتصاب الجماعي أو اختطفن واستعبدن جنسياً من قبل المقاتلين؛ وفي حالات كثيرة، كان الاغتصاب مصحوباً بضرب الضحية أو تعذيبها (ومن ذلك التعذيب ذو الطابع الجنسي)، والواقع أن جميع الفصائل المسلحة ارتكبت ومازالت ترتكب العنف الجنسي بدون حساب أو عقاب·
في ليبيريا المجاورة، كان 1,4 مليون ليبيري قد نزحوا داخل البلد بنهاية الحرب في ،2002 في حين فر مليون آخرون تقريباً خارجه؛ وفي بلد يبلغ عدد سكانه 3 ملايين نسمة، فإن ذلك يعني رحيل واحد من كل ثلاثة مواطنين، في حين لقي 270 ألف شخصاً على الأقل حتفهم، وهنا أيضاً، شكلت النساء الأهداف السهلة؛ فقد قدرت دراسة لمنظمة الصحة العالمية في 2005 أن 90 في المئة من النساء الليبيريات كن ضحايا للعنف الجنسي أو البدني؛ وأن ثلاثاً من أصل كل أربع نساء تعرضن للاغتصاب·
مؤخراً، أنجز المركزان الأميركيان لمراقبة الأمراض والوقاية منها وصندوق الأمم المتحدة للسكان، دراسة شملت النساء في منطقة ''لوفا'' الليبيرية التي شكلت مركزاً لعمليات ''تايلور''، فقال أكثر من 98 في المئة إنهن فقدن منازلهن خلال الموجة الأخيرة من الحرب، وأكثر من 90 في المئة منهن قلن إنهن فقدن وسيلة كسب العيش، وأكثر من 72 في المئة قلن إنهن فقدن فرداً على الأقل من أفراد عائلاتهن·
أما في سيراليون، حيث شكل ترهيب السكان المدنيين التكتيك الرئيسي للحرب، فقد كان العنف ضد النساء والأطفال ''أكثر وحشية''، مثلما تقول منظمة ''هيومان رايتس ووتش''، وكل أطراف النزاع ارتكبت ما لا يحصى من الفظاعات، إذ توثق التقارير الرسمية لجرائم فظيعة وشنيعة، كآباء يرغَمون على اغتصاب بناتهم، وإخوان يرغَمون على اغتصاب أخواتهم، وأطفال جنود يغتصبون نساء كبيرات السن بشكل جماعي، ثم يقطعون أذرعهن، ونساء حوامل تبقر بطونهن وتنتزع الأجنة من أرحامهن لمعرفة أجناسها التي كانت موضوع رهان· والواقع أن هذه الجرائم التي تنتهك المحرمات الأولية لا تهدف إلى تدمير الضحايا الأفراد فحسب، وإنما ثقافة بكاملها·
خلال السنوات الأخيرة، ارتُكبت كل أنواع الفظاعات في حق الفتيات والنساء في ليبيريا وسيراليون وساحل العاج فقط لأنهن إناث؛ والواقع أنه لو أن الإناث كن مجموعة عرقية معينة -من الألبان أو التوتسي مثلا- أو أنهم كن يعتنقن ديناً معيناً، على غرار مسلمي البوسنة، لكنا اعتبرنا ما يجري نوعاً من أنواع ''التطهير النوعي''، أو الإبادة الجماعية للنساء، فالحال أننا لا نتحدث عن الجرائم ضد النساء بهذه الطريقة، فمتى كانت المرة الأخيرة التي سمعتم فيها أحداً يتحدث عن ''جرائم ضد النساء''، إن سبق أن سمعتموها أصلاً؟ ذاك هو الواقع المر الذي لا يعرفه كثير من الناس، فالعنف ضد النساء مازال مستمراً هنا رغم أن الحرب وضعت أوزارها·
آن جونس- سيراليون
تعمل في لجنة الإغاثة الدولية ومؤلفة كتاب
كابول في الشتاء: الحياة بدون سلام في أفغانستان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست