الأكلات الشعبية في الإمارات.. نجمة كل المواسم
الأكلات الشعبية في الإمارات تتميز بكثرتها وتنوعها، فضلا عن طعمها الطيب ورائحتها الزكية المميزة، حيث تتفنن النساء في صنعها، وبخاصة مأكولات الأفراح والأعياد، وقد اعتمد المطبخ الإماراتي منذ القدم على ما تجود به البيئة المحيطة، ويشكل البحر أهمها، إذ اشتهر الإماراتيون بطهي السمك من مختلف الأنواع والأحجام، بالإضافة إلى المأكولات البحرية الأخرى.
يعتبر السمك من أشهر المأكولات التي تطبخ في وصفة تحمل اسم “الجشيد”، كما يشكل التمر المتوفر بكثرة في الإمارات، أساسا لعمل أنواع مختلفة من الحلويات مثل “البثيث” و”المدبس” “والرنجينة”، ومن أبرز الأكلات الشعبية الأخرى التي يفضلها الإماراتيون، تأتي أطباق “الهريس” الذي يعتبر طبقا رئيسيا على المائدة الإماراتية في شهر رمضان تحديدا، وهنالك طبق “المجبوس” و”الثريد”، و”العرسية” و”البلاليط”، ومن أبرز الحلويات الإماراتية “اللقيمات” و”العصيدة” و”الخنفروش” و”القرص العقيلي”.
ما بين الأمس واليوم
حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت المائدة التراثية الإماراتية والخليجية بشكل عام بسيطة كل البساطة التي تتسق مع شظف العيش في الماضي، وكان مجرد ظهور أطباق الأناناس والخوخ والمانجو المعلب إلى جانب الأطباق الرئيسية البسيطة والمعدودة، يعتبر ضربا من ضروب الوجاهة والحداثة، وربما الترف أيضا، إذا ما تمت مقارنة جلسة العائلات الموسرة أمام التلفزيون الأبيض والأسود الذي كان يبث ساعات معدودة في تلك الأيام! أما اليوم، فقد تغير الحال كثيرا وبخاصة بالنسبة للأجيال الجديدة التي لا تعرف الكثير عن حياة الماضي، ومع ذلك تظل المائدة الرمضانية التراثية تشكل زادا ثقافيا يربط الأجيال الجديدة بماضيها، وحرص العائلات الإماراتية على توريث هذه الأطباق لأبنائها عمل لا يستهان به من حيث طبيعته كثقافة متعلقة بالطعام، حتى إن بعض الأسر تبذل جهودا مضنية في تعليم خادمة المنزل تحضير الأطباق التراثية الإماراتية بشكل متقن يبعث على الدهشة.
ازدهار المطابخ الشعبية
تعد المطاعم الشعبية الإماراتية المنتشرة في مختلف إمارات ومدن الدولة اليوم، مقصداً للشباب الإماراتي حيث يتميز المطبخ الشعبي الإماراتي بغناه وتنوعه بأطباق الأسماك بشكل أساسي ولا يتميز باللحوم (ما عدا اللحم المشوي بالتنور)، أما أطباق البرياني وغيرها فهي أطباق جديدة وافدة أخذت حيزاً على الموائد الإماراتية، ولكنها ليست أطباقاً إماراتية أصيلة مثل (الهريس والخبيص والبثيث) وسائر الحلويات التي تقدم بخاصة في شهر رمضـان”.
الأطباق الشعبية لذيذة وصحية
أما حول هاجس السمنة التي بدأ المجتمع الإماراتي يفكر فيها، فيؤكد الطهاة الإماراتيون الشعبيون أن الناس تخشى عادة تناول الزيوت والدهون خوفا من الكولسترول أو السمنة، ولهذا يقومون بتقديم الأطباق البحرية المشوية وأطباق المرق مثل مرقة الروبيان ومرقة (النغر/ الحبار) و(الحبول/ بيض السمك) والروبيان المشوي بالروب، وهي أطباق صحية وبعيدة عن الأطباق الغنية بالدهون، والتي قد يرغب فيها البعض الآخر من الزبائن الذين يفضلون تناول أطباق الأرز مع السمن البلدي والسمك المقلي، لذلك يقبل اليوم الكثير من الشباب الإماراتي على الأكلات الشعبية التي تقدمها المطابخ والمقاهي الشعبية المحلية؛ لأنه يفتقدها ولا يجد لها مثيلا في أماكن أخرى.
خصوصية شهر رمضان
في شهر رمضان يحرص الإماراتيون والخليجيون على استحضار روح وطقوس موائد آبائهم وأجدادهم، حتى يخيل للمرء أنه يشم رائحة أطباق قفزت فجأة من سبات الماضي لتحط رحالها فجأة على مائدة إفطار رمضانية في مطلع الألفية الثالثة، وهو استحضار لا يتم لأطباق الطعام التراثية وحدها، وإنما يجري استدعاء كل ما يحيط بهذا الطقس الديني والاجتماعي من أنشطة ترى الحياة وقد دبت فيها فجأة، ومن أبرز سماتها العمل الجماعي في تحضير المائدة الرمضانية، حيث تجتمع نساء معظم الأسر والأقارب وحتى الجيران، للاشتراك في تحضير أطباق الإفطار منذ فترة مبكرة من النهار تصل إلى ذروتها قبيل وقت قصير من موعد أذان المغرب.
ورغم أن الطابع العصري لموائد لهذه الأيام يتسم بالوفرة والتنوع حتى على صعيد الصنف الواحد كتعدد وصفات أطباق اللحوم والشوربات والحلويات، إلا أن المائدة الرمضانية تستدعي شيئا مختلفا، فهناك حرص واضح على الاستفتاح بالماء والتمر لكي يتعزز هذا السلوك لدى الناشئة الصغار، وهناك حرص على تحضير الأطباق والأصناف التراثية بذات الطريقة التي كانت تتم حتى الماضي القريب قبل الطفرة النفطية، حيث إن النساء الإماراتيات كنَّ يحضرن الأطعمة دون وجود وصفات أو مقادير محددة، فلم يكن يعرف شيء اسمه لتر أو جرام أو ملليجرام وأي من هذه المقاييس المعروفة هذه الأيام، حتى أن الجدة أو الأم حين تقوم بتعليم بناتها الصغار تحضير وصفة معينة كاللقيمات مثلا، تقول لابنتها “ضعي الطحين” أو “أضيفي مقدارا آخر من الماء” ثم تقول “فقط.. هذا يكفي”، والغريب أن هذه الطريقة التي تعتمد على الحس والحدس الناتج عن التجربة، تنجح في كل مرة يتم فيها تحضير مثل هذه الوصفات التراثية.
عودة لوصفات المطبخ القديم
وليس غريبا أن تقبل معظم الفتيات الإماراتيات على تعلم وصفات أمهـاتهن وجداتهن بالطريقـة التقليدية البدائية نفسها، وهو الأمر الذي يبدو جليا وواضحا في تبادل الفتيات لمثل هذه الوصفات التراثية عبر مختلف منتديات ومواقع الإنترنت الإماراتية، ولكن المدهش أكثر هو قيام العديد من الشباب الإماراتي بتخصيص مساحات محترمة لمثل هذه الوصفات في مواقعهم الإلكترونية كوسيلة من وسائل الجذب وإسالة اللعاب نحـو تراث وعـادات ومفردات حياة أجدادهم.
نكهات من الزمن الجميل
وحين يأتي الحديث عن نكهات أيام زمان يمكن للمرْ أن يرصد ذلك الإقبال الكبير مقهى العرصة الشعبي في “سوق العرصة” بمنطقة الشارقة القديمة، إذ لا يزال المقهى الشعبي يحمل نكهة القرن الماضي للإمارات منذ أكثر من 120 عاما، واليوم يجتذب المقهى الجميع، المواطنين والعرب الوافدين والسياح الأوروبيين الذين استحدث لهم “منيو خاص” باللغة الانجليزية، فالأجانب يطلبون بشكل خاص طبق السمك البرياني”، أما المواطنون فيقبلون على الأطباق البحرية الشعبية مثل “المجبوس والسمك المقلي مع العيش (الأرز) الأبيض والفريد (الثريد) وبرياني الدجاج وبرياني اللحم” هذا عن الوجبات الرئيسية، أما الإفطار الصباحي فيكون الإقبال فيه على (الدال/العدس) وطبق اللحم الناشف وطبق القيمة، وطبق البيض بالطماطم، وطبق الخضار.
فيما تتميز فترة العصرية أو ما بد الظهر، بالإقبال على على طبق “الدنجو/الحمص” وطبق “الباجلا/الفول “والهريس، إضافة للمشروبات الساخنة كشاي الزنجبيل والزعتر وشاي “الكرك السادة” والكركديه، والقهوة العربية والتركية والأجنبية، إلى جانب المرطبات والعصائر الطازجة.
الحفاظ على الأكلات الشعبية
حين يأتي الحديث عن الأكلات الشعبية بين المضي والحاضر، فإن الجميل في المجتمع الإماراتي والخليجي هو تمسكه بالتقاليد مهما تطورت الحياة، ولهذا تم الحفاظ على الأكلات الشعبية الموروثة عن الآباء والأجداد، فالجيل الجديد لا يزال يقبل على هذه الأكلات ولا يفضل الوجبات السريعة، غير أن العجيب في الأمر هو استقبال المطابخ الشعبية لبعض الزبائن الغربيين الذين تلفت أنظارهم بعض المأكولات الشعبية مثل اللقيمات والجشيد والهريس”.
أما عن شكوى البعض من دسامة المأكولات الشعبية فيؤكد الطهاة الشعبيون أن الأطباق الشعبية تشكل اليوم طعاما صحيا فرضته طبيعة العصر الحالي الذي بدأ يتجه للأطعمة الخالية من الدهون، ولذلك تحرص العديد من المطابخ والمطاعم الشعبية على إزالة الشحوم الزائدة، وتقلل قدر الإمكان كمية الزيوت المستخدمة في الطبخ، أما الشوي على الفحم فهو يزيل كل الدهون بشكل طبيعي، ولذلك يرى غالبية الطهاة الشعبيون الإماراتيون أن الأكلات الشعبية صحية، طالما تم طبخها بطريقة صحية.
المصدر: الشارقة